الفصل الأول : لقد سئمت غروره
استمع إلى الفصل:
↓↓↓
تزوجا
منذ بضع سنين، ولكن علاقتهما ظلت فاترة مثل الثلج، لقد سمعت سارة عن الحب كثيراً،
فهي ابنة الخامسة والعشرين، وهي فتاة شغوفة بالرومانسية، قيل لها إن الحب يغزو
العواطف مثل النار، ويجتاح الشعور في ثوانٍ، هو أشبه بالومضة، بل هو اللهيب الذي يوقظ
في النفس الشعور بالحياة، ويعطي للأشياء معناها، فيكسوها بزينة ساحرة، ومتعة لا
مثيل لها، ولكن أين هذا كله من زوجها المتسلط عيسى؟ والحق لقد فُرض عليها الزواج به
مثل القدر، وقيل لها إن العشرة ستذيب كل الشكوك، بل قيل لها إن العشرة هي الحب
نفسه، واليوم هي ترى جحيم الإهمال وفقدان الاهتمام، وتتردد على أطلال الأحاديث
بعين الرثاء، تزوجته لأنه رجل الأعمال الثري، الذي أملت في أن يخلق لها عالماً
وردياً، عالماً تكون فيه ملكة متوجة، ولكن عشيقاته الكثيرات، وغرامياته التي لا تنتهي،
وعنفه الطائش، كل هذا أفسد الحياة، واليوم هي ترى الحقيقة البازغة كالنهار : الحب
لا يتكون بتراكم السنين، لأنه حقيقة أصيلة، غير طارئة، أو عارضة، وتساءلت في حيرة
: كيف تنقذ زواجهما وهو ابن سنتين من غبار الرغبة والاستهتار؟
اضغط على رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات قصص
هذا
المساء ضبضته متسللاً، مخموراً، بعد سهرة من سهراته، فلم تحتمل، صرخت :
-
إلى
متى؟
وطلب
منها أن تغرب عن وجهه، وعارضته، لأول مرة عارضته، ودفعها حتى سقطت عند الباب،
اشتعلت بنار النقمة والغضب، وأضمرت الانتقام، ولكن كيف؟ ظلت ترقبه وهو يعبر حاجز
الباب مترنحاً، يا الله ! ماذا يفعل الشيطان بالبشر؟ وكيف تعاشر مخلوقاً له هذه
الطباع؟ وليت الله يخلصها من هذا السجن، وفي الغد لم يكن في طاقتها أن تجهز
الغداء، كان عيسى غائباً كعادته عن البيت، وظلت آسفة وحزينة، كان صمتها فيه شيء
من القهر، وتساءلت : لماذا تقبل أن تكون جملة عارضة في حياة لاهٍ عابث؟ وتركت
البيت في فورة الانفعال، وهبطت السلم كأنها تخترق سياج محبسها الثقيل، وتشجعت حتى
ابتعدت، ورأت البيت يصغر، وحياتها الجديدة تتوهج كالشمس، وجلست على كافيه، وفكرت
في المستقبل الغامض، فهي لا تريد مفاتحة أبيها الصعيدي، فلديه جواب واحد، لم تنسَ
كيف صفعها حين أبدت علامات التمرد، وقال لها :
-
المرأة
لبيت زوجها..
هل
المرأة كائن بلا روح أو إرادة ليُساق إلى هذا الطريق أو ذاك؟ هكذا تساءلت في صمت،
وعلى الكافيه كانت تسمع أغنية لفيروز : لبيروت مجد من رماد، ولكن حياتها هي
الرماد، وماذا سيحدث إذا عاد زوجها إلى البيت فوجده خالياً منها؟ ألا ينذر مثل هذا
التمرد بصفعة جديدة، لقد ضاقت ذرعاً بهذه الوحشية، وتعلق قلبها برحمة هابطة من
واحة السماء، وأحست يداً تربت على كتفها فانتبهت وخرجت من دائرة الخواطر والهواجس،
وسمعت من يهتف :
- أهلاً..
كان هذا صديقها القديم في الجامعة : مازن، وبدا أن هيئته قد تبدلت كثيراً، وذكرت له هذا، فقال :
-
هذا
ما تفعله الأيام بنا..
وابتسمت،
فسألها بصوته الهادئ :
-
ماذا
بكِ؟
وترددت
في أن تفصح له عن الحقيقة، ووعى الشاب ما يدور في نفسها، فسألها :
-
دعنا
نتحدث كصديقين..
وقالت
:
-
آسفة
هذا حديث خاص..
-
ألسنا
أصدقاء؟!
-
هذا
من الماضي، قبل الزواج.
-
المشكلة
في الزواج إذن.
- أجل، المشكلة في كل ما يُفرض علينا.