الفصل الخامس: ولكنه نطق بالحق..
انتاب عز قلق على عمله في بازار
الغردقة عجز عن أن يستوعبه من جراء تسارع عجلة الحوادث الإرهابية في مطلع
التسعينيات، وقصد الرجل إلى نادي الصيد بالإسكندرية رفقة أسرته عسى أن يبعد نفسه
عن النطاق المتوتر، وكان عز يجد في الصيد وحمل البندقية رِيًّا لنوبات اشتياقه إلى
عمله الشرطي وإشباعاً لها يأخذ صورة الهواية والتسلية، وطفق يحدث صديقه الجديد حسن
عبد المطلب، ضابط سلاح الفرسان المتقاعد، وأول المنضمين إلى الضباط الأحرار،..
وشعر عز بالاغتناء الروحي الممزوج بشعور قريب إلى دِفْء الأبوة رفقة الأخير الذي
بات كثير الاجتماع والتحدث إليه، خصوصاً وأنه (أي عز) لم يعاشر أباه هشام عزمي
طويلاً إذ هو تيتم مبكراً، وقال له (عز) :
- عدت إلى الإسكندرية حين أمسك القلق
بجوارحي،.. لقد خرجت من الغردقة ولكنها (أي الغردقة) لم تخرج من عقلي، الجماعات
التكفيرية استهدفت وتستهدف كبار السياسين ورموز السلطة ورجال الأمن، والسياحة
تتأثر بالسلب متى وقعت واقعة كأنها ميزان دقيق، واليوم طُعن نجيب محفوظ في عنقه..
وأجابه عبد المطلب يقول منفعلاً :
- ياللندبة الشائهة على جبين الثقافة ! والمجتمعات الجاهلة تقتل حكماءها، والمشكل أن المتعصب أو ضيق الأفق لا يقرأ ولا يبذل محاولة
الفهم،.. لقد طعنه - مثلما قرأت في جريدة النهار - من لم يقرأ للرجل حرفاً ولم
يعرف عنه إلا الأصداء المسمومة لما نقل إليه ! ولو نُزعت السكين عن عنقه (يريد
محفوظاً) قبل الجراحة لقضى نحبه، لقد أحياه من أبقى السكين في عنقه إذاً.
وقال عز متنهداً في ذات السياق الذي بدأه الثاني كأنما هو يعدد
بدهيات بلا جديد عنده :
- العصبية عمياء، والتهذيب قرين العارف، وبلادنا لم تعدم قط من
ملايين الأميين والمرضى بأمراض العصور الوسطى والأسقام الطفيلية كالبلهارسيا،.. لا
يجب أن ننسى أين تقف أقدامنا.
وكان عبد المطلب ما ينفك يعيد على
أسماع صاحبه المضطرب ذكرى انضمامه إلى الضباط الأحرار، ويورد في حديثه أسماء على
مثال عزيز علي المصري رائد الحركة القومية الذي استلهم منه الرجل روحه النضالية،
وأنور السادات الذي أغراه بالانضمام إلى خليته حين عرض عليه محنة الوطن آنئذٍ في
عام 1939م بطريقته (السادات) التي يستطيع الجميع تقليدها،.. إلخ، إنه (عبد المطلب)
يورد أخبار الماضي إذاً في خضم محاولته لاصطياد الطيور، وقاطعه عز يقول :
- أحد الأمثال العدنية علق في ذهني
يقول : ما تولف الرباح (القرود) على أكل التفاح ! (والمعنى أن القرد يأكل الموز ويأنس
له بحكم الطبيعة ومن غير المجدي تقديم التفاح إليه، رغم أفضلية التفاح على الموز)
وانزعج عبد المطلب من مقاطعة الآخر له
وزاد انزعاجه لما جهل بمراده، سأله في فتور فيما يرقب الأفق بحثاً عن طائر يلوح :
- وماذا تقصد به؟
- يوليو قدمت التفاح يسير التناول
للجميع : التعليم المجاني، الأراضي الزارعية المجانية،.. إلخ ولكن الشعب لم يكن
مستعداً لأن يشغل المواقع التي كان ينظر إليها طويلاً نظر المراقب، وقد ارتفعت
بعدها التوقعات ارتفاعاً جذرياً، وكان لابد من المرور بمرحلة انتقالية تتوخى
الإصلاح التدريجي،.. إن ثمة بعدين من الصراع في بلادنا : الأول بين دولة محمد علي
الحديثة وبين فلول الدولة العثمانية : رجل أوروبا المريض الذي وقعت شهادة وفاته في
معاهدة لوزان، والثاني بين المجتمع المدني على هشاشته التنظيمية وبين قوي ذات
مصلحة تسعى لحجب تطلعه المشروع في مواكبة الأنساق الحقوقية والمدنية في الحضارة
الغربيـ..
وقاطعه عبد المطلب يقول وهو يمشي بضع
خطوات في اعتزاز غير متكلف :
- كانت مشاركتي في يوليو تضحية سأظل
اعتز بها، هذه النظرة المشوبة بالإزدراء للجموع لا أحبها، حين تتحدث عن جماعة
كبيرة فأنت تتحدث عن كيان عضوي هو أكبر من مجموع أفراده، له ضمير مذهل ووعي جمعي.
وتطلع عز إلى شعار نادي الصيد فكان رأس ماعز آيبكس بين بندقية
وصنارة متقاطعتين يعلوهما التاج الملكى ثم النسر فصقر قريش، ولم يشأ عز أن يزيد في
حديثه إلى صاحبه المصاب بعلل القلب، وغص الأفق بالطيور بغتة فحار عبد المطلب في
اصطياد فريسته لا يكاد يوجهه بنقديته على واحدة إلا واستدار عن غيرها الأسمن كأنه
"الأعرابي خراش" ولسان حاله :
تكاثرت الظباء على خراش.. فما يدري خراش ما يصيد
وعاد الحائر وقد أسقط
لتوه طائراً يسأل صاحبه عزاً كأنما أشفق عليه من ألا يكون له نصيب من غنيمة السماء
:
- أين بندقيتك؟
- لقد نسيتها في البيت رفقة المسدس.. (ثم وهو يقتفي أثر عبد
المطلب الذي توجه بدوره إلى صيده..) ياله من صيد.
وفي موقع آخر، كان نبيل قد استأنف استعداده للثانوية بعد
استقراره في الإسكندرية، إنه يأخذ يتلقى من مدرسه درساً خصوصياً رفقة نفر من
أترابه وعلى طاولة ملأى بالدفاتر وأكواب الخشاف المنقوع (قمر الدين)، وجعل المدرس
يدرب تلامذته على سؤال البلاغة فيقتبس من قصيدة مفاخر الفراعنة لشوقي - ويورد
انتقادات طه حسين لها - قوله :
- قفي يا أختَ (يوشع) خبرينا.. أحاديث القرون الغابرينا
وأشار المدرس إلى نبيل طالباً منه أن يشرح الأبيات بعد أن
يرددها، وكان نبيل من الشغب حتى أن به نزعة لا تفتر إلى إفساد الدرس، وقد نهض عن
المجلس فيما يمسك بالكتاب، وجعل الشاب يردد الأبيات في حس ساخر وسط قهقهة الطلاب،
حتى وصل إلى بيت القصيدة الذي يقول :
- مشيت على الشباب شواظ نار.. ودرت على المشيب رحى طحونا
وهناك أمسك المنفعل بمسدس أبيه - بيمناه الحرة فيما تأبط كتابه
بيسراه - وجعل يضغط على الزناد في هزل وتبجح صوب مدرسه، وكان المدرس يصيح فيه يقول
:
- توقف، يا ولد !
توقف..
وضغط الصبي اللاهي على الزناد الذي كان أشد مقاومة مما كان
يظنه.
اضغط على رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات قصص
1995م..
استحكمت على يوسف حلقات وحدته بعد زواج سميحة بعزت، لقد سمع
الرجل عن أن الوحدة بعد الستين قاتلة فكان في ذاك كالطفل الذي يسمع من الأمور كثيراً
فتمر عليه أو يمر عليها ثم يعود يفكر بها حين تحدث له في أحوال عمره تفكراً جديداً
من واقع المُعايش والمجرب، وراوده الحزن كطبقات من بناء ثقيل يحجب الضوء، وحين عزم
على كسر هذا الجدار الثقيل تردد على مقهى سيد درويش فألفى وجوه العابرين عابسة،
ووجوه الجالسين في مسرة ترديد ألحان "موسيقار الشعب"، ولم يكرر بعد
السرور والعبوس تجربته مجدداً إذ كانت العواطف مما يرهقه، وأما في تلكم المرة التي
ارتاد فيها أتيليه الاسكندرية للفنون ظل الرجل صامتاً طوال عمر الندوة المعقودة
واسمها "مغالطات ضد تاريخ الحضارة الفرعونية.."، وإذ كان الحضور طارحي
السؤال على المقدم فقد لزم يوسف الصمت، وقد كان من بين السائلين رجلان على يمينه
وشماله، حتى إذا شرب السيجار انصرف عن شارع المسلة دون عودة،.. لقد تذكر سميحة بعين
المحبة فالجحود،.. ترى أين هي اليوم؟ ما عادت تعوده قط منذ هنأها بزفافها في موكب
الليل المبهرج، لقد استجاب لهاتف زوجه (عفاف) وخيالها الذي تَراءَى له يومئذٍ،
ولكنه عاد يفكر في أن نفسه من صنعت هذا الخيال، فعاوده في إثر ذاك الندم، واجتاحته
عاصفة الملام والتثريب.
وقرأ كتاباً تحفيزياً إذ هو في توق إلى من يخبره - حقاً أو
ظلماً - بأن مآل الأمور - ولو ساءت - إلى خير، فتوقف لدى الفقرة التي تقول
:"إن العقل الواعي يتحكم في بَلْوَرة اللاوعي، وإذا أمكن أن نشبه الواعي بكرة بينج بونج فالآخر هو كرة
سلة.."، ولم تكن بنفسه هذه القناعة الكبيرة بما يقرأ ولكن شيئاً يدعوه للتوقف
هنا وهناك فيضع لدى الأجزاء التي يراها تفضل عن غيرها أهمية - يضع بضعة أسهم من
هاته التي لا يعود إليها أبداً، ولم يدرك أنه التهم نصف صفحات الكتاب السهل في خضم
ما ساوره من غموم نفسه، وكان يرى أن القراءة تَسْهُل في مثل هذا المزاج الشاحب إذ
يتيسر عليه إسكات صوت باطنه حين لا يكون هناك الكثير من الأمل في الأفق،.. وكأنما
يقرب إليه حزن الإخفاق تواضع التعلم، كان في مكتبته العامرة كتاب له اسم : الأجنحة
المنكسرة، لجبران خليل جبران وقد حجز القلم صفحة فيه بدا أنها حملت له على أكف
التوافق وإذ سر به أولاً، فقد أفسد مزاجيته لاحقاً : "إن الشيوخ يرجعون
بالفكر إلى أيام شبابهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه، ويميلون إلى سرد
حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده، فهم يعيشون بالروح في زوايا
الماضي الغابر، لأن الحاضر لا يمر بهم ولا يلتفت، والمستقبل يبدو لأعينهم متشحاً
بضباب الزوال وظلمة القبر.".
وترك الكتب - كمن ذاق غدر صديق فاعتزل
البقية - جالساً في صمت وقد خذله ملاك المكتبة، وجعل يغمغم :"بعض الكتب حقيق
بها أن تُمزق فتُوضع تحت الحيطان لتتلقى قطرات الدهان.."، حتى دق بابه
فاستبشر وظن أن زهيراً قد جاء كيما يبثه نبأ عودته إلى الفن في باريس، أو أن
حسيناً يزوره مصحوباً بإياد ومليكة (التي تناديه كثيراً بالجد على نحو محبب وبريء
حتى يدور رأسه من هذا الفارق بين رؤيته لنفسه كطفل ورؤيتها له كجد)،.. وحتى شكوى
ألكسندرا من زوجها سيحفل بها، فشيء هو أفضل من لا شيء (يردد لنفسه في هزل بأنه بات
بعد وحدته أكثر فهماً لدافع الإله في إحداث الوجود من العدم).. وألفى وجهاً ريفياً
- هو غير ما تصور من احتمالات - فانحسرت أمارات استبشاره، وتركزت معالمه في تعبير
من الذهول دون أن ينطق، كان وجه بكر المبتسم وقال بعد أن عانقه :
- معطف الكشمير ! كان يجب أن أرده،
ولو بعد غيبة سنوات.
بدا المعطف متردياً ومهترئاً، وقد ردد بكر كثيراً بأن الزمان
وحده هو من هبط به إلى هذه الحال لا الاستخدام، لأنه كان حريصاً ألا يستخدم ما ليس
له، دلف بكر صحبة نجليه صفوت وحورية وزوجه فردوس إلى الداخل إذاً، وسأل يوسف بكراً
حتى قبل جلوسه على أريكة الاستقبال القطنية :
- أين كنت؟ ولماذا عدت؟!
كان السؤال الأول منطقياً وأما الثاني فقد جرح السامع، وعاد
يوسف يقول كأنما يريد أن يصلح ما أفسده :
- أعني أخبرني عن كل شيء..
- أقمت في الظهير الريفي للإسكندرية، في قرية الزهور بأبيس،
لقد نجحت في حل هذا الصراع النفساني بوجودي في الموقع الهجين الذي جمع ميزات الحضر
والريف، لقد مر اليوم خمسة عشر عاماً على قضية العجوز المعروفة، والآن أراني قد
تحررت من هذا الوزر القديم بعد أن نسى الجميع أمرها،.. وأين السيدة عفاف؟
ومكث بكر يكرر سؤاله الأخير دون جواب الآخر الذي كان كأنما
أشفق على نفسه من أن يخبر ضيفه بحقيقة رحيل زوجه، كانت وحدة يوسف قد أورثته لوناً
من الخشونة التي تهبط عادة في أحوال الاحتكاك الإنساني والعائلي، وقال دون أن يجيب
عن السؤال الأخير:
- إن هذا إلا سخف، بل لعله أسخف ما سمعته منذ حضر زهير إلى هنا
وأخبرني باعتزاله العالم في كوخ في غابة، ثم حبب إليَّ مرافقته في جنونه بذكره
لحقيقة إشعاله حطب أشجار المشمش كوسيلة تدفئة في صقيع ليلاته هناك في باريس،..
فلتسمع لي ولتعذر صراحتي فما عدت بعد هذا العمر في طاقة لالتماس لطف : لقد فكرت
هنا وغير مرة في الانتحار كسبيل ناجع لإنهاء هذا البؤس، ولكنني عدت أفكر في أنني
لا أملك حق التصرف في حياتي وحدي، لدي خمس أو ست أشخاص - قليل، بل قليل جداً ما
يزوروني، وإني جدَ غاضب منهم، ولكن هذا سياق آخر - أقول لدي هذا العدد من الأقارب
سيتأذون نفسانياً إن هم علموا بانتحاري، لقد قلت في نفسي وما أكثر ما أتحدث إليها
: سيفجر الأمر في بواطنهم بركاناً من الخذلان والضياع لو أنني فعلت، وقد عددت في
هذا مبرراً للبقاء، ولو على حافة اليأس، إنني أقول ما أقول والموت عندي اليوم أروح
من الحياة وأفسح جانباً،.. كان غيابك عن الريف هو انتحار جزئي بلا مقدمات، لقد هربت من قريتك في مناسبتين
بحثاً عن رحلة البطل بوصف جوزيف كامبل، ولم تفكر قط في العواقب أو تقلب النظر في أوجهها الكثر، لعلك
تغيرت نفسانياً وفكرياً ولكنكَ أورثت أهليك شقاءً غير مبرر.
وقاطعه بكر يقول كأنما يتحلل من وزر :
- الطبيعة تخشى من الفراغ، لابد أنهم وجدوا هناك من يشغل موقعي
الذي شغر، كانت هذه رحلة البطل التي عِبتها بالنزق وبالتهور، ولست أرى بين
المعنيين تناقضاً إذ ما من بطولة إلا وحوت على جانب من الاندفاع والرعونة، إن
بطلاً قد يشارك الحكيم في دفاعه عن سامي المعاني ولكن وسيلتهما في تحقيق مأربهما
مختلفة كل الاختلاف،.. علاوة على أنني قد أخبرت أمي بالأمر.
وأكمل الآخر من حيث انتهى الأول :
- وقد أوصيتها بالكتمان، وقد كتمت المرأة السر فعلاً، وبعثت
فينا الأمل بوصفها المبهم، والأمل - من حيث هو لا يسقط مسؤولية الفعل وواعز الضمير
وعناء الانتظار - مزعج أكثر من اليأس، بتنا جميعاً في ذهول وتخبط.
هناك قال بكر وقد شحب وجهه كالمعطف الذي عاد به :
- إني آسف حقاً.
- لن يفيد الأسف الآن، فلتعد إلى ريف أبي تيج.
- هل وصلك من أنبائهم شيء (يريد أسرته التي هناك)؟
- كلا،.. ولكن مادام ثمة أطماع ومصالح فثمة ما يستدعي القلق.
كانت حورية تجاور أخاها على الأريكة القطنية في عمر العاشرة
وقد تحللت من عقدة البكاء الدائم التي لازمت طفولتها، فصار بائناً في تقاسيمها شيء
ملحوظ هو من أمارات البلوغ الباكر، وإن احتفظت بميل كبير إلى أبيها بكر على حساب
فردوس التي ذكرت بدورها ليوسف شيئاً عن هذا الحال :"تعصي أمري وتقبل أمر
والدها.."، فذكر فؤاد طرفاً عن عقدة اليكترا (كأنما وجدها فرصة لإقحام
الميثولوجيا)، وهو مصطلح صكه سيغموند فرويد ويشير إلى التعلق اللاوعي للفتاة
بأبيها،.. وقال على نحو مريب وغير حصيف أبداً :
- في الميثولجيا الإغريقية تآمرت اليكترا وشقيقها أوريستيس
للانتقام من أمهما كلتمنسترا وزوجها إيجسثوس بسبب قتل الأب أجاممنون.
وهنا تبادلت فردوس مع حورية نظرة غنية بالدلالات، هذا قبل أن يعرض يوسف على زواره
عصير الأفوكادو فيذكر مخاطر تناوله مع الحساسية منه، ونهض صفوت - بإيعاز من أبيه
بكر - كيما يلبس يوسف معطف الكشمير المهترئ، ورغم امتناع يوسف أول الأمر عن تلبية
دعوة زواره (مكتفياً ببلوفره الصوفي الملون الذي كان لا يكاد يغيره أبداً)، فقد
أبدى بعد الإلحاح - الذي اتخذ صورة جماعية يصعب التحلل منها - مرونة حملته على أن
يلبس معطف الأمس، وقد تحسنت حالته جزئياً - على غير ما توقع هو أو حدس - برفوله في
ثياب الماضي الذي كان بدوره أفضل كثيراً من حاضره، ونهض إلى مرآة الصالة يحدثها،
وقالت فردوس لزوجها آنذاك :
- إن بصاحبك جِنَّة، ولكنه نطق بالحق..
ونظر بكر إلى الرجل الذي عاد يؤدي الحركات البهلوانية لصفوت
وحورية وقال في هدوء :
- أعرف هذا..