الفصل السابع عشر: عطوة الناجي
كان الصيادون من هواة الغطس والصيد قد
نجحوا في استنقاذ سعاد التي زلت إلى البحر من زورقها الساعي إلى جزيرة نيلسون، دون
نبيل الذي أخذه الروع والفزع، ولقد كان في نفس الشاب لجة كمثل لجة الموج أو هي أشد
عنفاً، ولم تفقه الفتاة المبرر وراء تخاذل صاحبها عن إمداد العون لها فازورت عنه
نكداً، وجمع بينهما لقاء على ظهر الجزيرة جعلت تتذكر فيه كيف حملتها الأيدي
الغريبة وكيف سمعت صياداً يهتف بصاحبه :"إنها حية، إن أنفاسها تتردد.."
ثم كيف ظلت تردد غير مرة مقولة منقذها كالمتعظة :
- ما الحياة إلا أنفاس تتردد..
وسألت صاحبها عما ساقه إلى مثل هذا
الموقف المريب، وإذ حجب عنها الشاب مشهد العجوز والصبي الذي ما يلبث يبثه شيطان
نفسه في خاطره كلما دق الكوز بالجرة فقد صمتت وانطوت على شيء، وكان يرى أن خير
سبيل للعلاج النفساني هو احتواء الألم دون البوح به، والمعاناة الداخلية التي
تحتويها نفس راضية متجشمة،.. وقال لها في تبصرة كأنما أدرك أن نفسه لم تشفَ تماماً
مما بها وإن كان يحسبها قبل اليوم ملمة بمفاتح الحكمة ومدارك الاعتدال :
-
لازلت على الساحل، ولم أخض البحر..
ومرت أيام أعقبت الواقعة التزم بها
نبيل النباتية ولم يجمعه لقاء إلى صاحبته فيها، ورآها أمام الحانة في يوم من أيام
شهر طوبة تناديه، إنها رامية أن تتحقق من حياة أمه العليلة دون أن تعمد إلى
مباشرة، وإذ هي أدركت منذ يوم صيد نيلسون نفسيته غير المستقرة فقد تحاشت لَوَاذِع
الْكَلاَمِ معه والتزمت الحذر، سألته :
- ألازالت نور تتردد على مسارح
الدولة؟
وتوقف يقول :
- أجل،.. لقد ذكرت لي شيئاً عن أمينة
رزق التي كانت تسير متسندة حتى إذا ولجت إلى المسرح جعلت تجري فوارة بالطاقة
والعنف ! إنه سحر المسرح وبريقه، وللفنون أثر - كتأثير المكيف المسكن - أقوى من الداء
والألم..
واطمأنت إلى جوابه الذي زاد على ما
أرادت فقالت :
- فلنصحبها إلى البحر كيما تطوب إذاً
في فجيرة هذا اليوم..
أطاع الفتى نصيحة الأخرى فأقنع أمه
بالحضور إلى شاطئ السيالة بعد مخاض نقاش، وإذ وصفت نور التطويب أولاً كعلامة من
علائم فشو الجهل والخرافة فقد أطاعت نذر الأمل الوحيد الباقي بعد إذ سمعت من نجلها
عن مقترحته : الفتاة التي حلقت شعرها المذهب كي تشاركها محنتها العسيرة، وقفت نور
إذاً تغتسل في هذا النهار رفقة الاثنين، إنها تطهر عضواً أصابه السوء من داء خبيث
بماء مالح، يقف نبيل ها هناك ليرقب خلو الشاطئ من رواده إذ يحتاج التطويب إلى
"اطمئنان خلوة للنساء" مثلما كانت تردد سعاد دوماً، كان للأمواج عزف
وانٍ وللصورة سحر رقيق، إن للمرأة المتطوبة تجلَ مذهل كأنما سقاها غيث الندى
وأشبعها صحة وبراء، وإذ مسها هذا كله فقد بدت في شرانق تحول وتبدل، كأنما صعدت من
محدودية الطب إلى أفق المعجزة بجناحي خلاص، وإنها الماثلة بين طبيعتي البحر
والبسيط، وبين رهاني العلم والغيب، تتحرى المداد بنفس خاضعة لأيهما أنفذ يداً،..
لقد اتفق نبيل مع رجل الشمسيات على أن يرد قاصديه، وقد وعد الرجل بأن يهبه إزاء كل
مرتاد يرده مقابل المال الذي كان سيتحصل عليه منه،.. وقالت سعاد وهي تلتقط من رمل البحر
صدفة بحرية :
- يذكرني هذا بالجندوفلي، وبأسفاري مع
أمي التي كانت تعاف أن تأكل ذوات الأرواح، إذ كان صيدها لي ولأبي..
وقال نبيل وهو يمد بصره إلى بعيد حيث
الخواء والهواء :
- لم تعد في نفسي رغبة الأكل الحيواني
أيضاً، بت نباتياً، أشعر بالمسؤولية الأخلاقية في إنهاء حياة حيوان..
وقالت الفتاة وهي ترمي بالصدفة :
- مرة أخرى تشق على نفسك، عزيزي،.. إننا
جزء من دورة الطبيعة، لا نزيد شيئاً في هذا الباب عن المحار والجندوفلي، لقد انبثق
الأحياء من خلية أولى وللإنسان صلة إلى الجميع من غير الجماد، للأسد أن يأكل الضبع
إذاً، وللضبع أن يتغذى على الغزلان، المفترسون فرائس، والفرائس مفترسون،.. إن في
اللحم الأحمر فيتامينات لا يعوضها النبات، وقد ساهم بجهد عزيز في تطور أسلافنا،
وقدحة النار عبرت بنا من الرئيسيات من غير الإنسان إلى الإنسان العاقل،.. أجل،.. سأظل
أرفض النباتية حتى يظهر البديل الغذائي الذي يضاهي اللحم نفعاً..
وانتفخ بالهواء الرطب في بيئة النهار
وقال كأنما التمس من محيطه طاقة حديث :
- ألا تباً للإنسان وتباباً،.. إنه يهبط
إلى الحيوانية متى خدمته، ثم يعرج إلى الإنسانية متى رأى فيها صالحه،.. وغداً ينظر
لأكل الحيوان بنظرة الشناعة والجور التي ينظر بها اليوم إلى العبودية،.. والشاة إن
رحمتها رحمك الله كما ورد عن النبي محمد، فلتنسبي نفسك إلى الشمبانزي والبونوبو
كما تريدين وأما أنا فلا،.. وصدق أبو العلاء إذ يقول :
تَسريحُ كَفِيَّ بُرغوثاً ظَفِرتُ
بِهِ.. أَبُرُّ مِن دِرهَمٍ تُعطيهِ مُحتاجا
وأجابته تقول :
- سأظل أكرر، النباتية غباء صرف، إنها
تجعل الشخص عرضة للإصابة بفقر الدم الذي أصاب أمي..
وقال معانداً :
- بل هي رحمة وتنزيه..
هناك بصر نبيل بشبح آدمي يتسلل من يد
رجل الشمسيات الذي ما يفتأ يتعقبه، لم تكد نور قد أنهت تطويبها، وغضب نبيل لدى
رؤية المتسلل وخاله إنما يروم التلصص على محرم فهمس غاضباً (يريد المتسلل)
:"قوم إذا مس النعالُ وجوههم.. شكت النعالُ بأي ذنبٍ تُصفعُ.."، ولكنه
ما لبث أن وعاه في تقدمه نحوه طفلاً راهق
البلوغ، أو هو أقل، فأخرجه من محيط نقمته وألحقه بمجال استفهامه، وسمع سعاد تقول
له :
- لا بأس، لابأس، إنه جوهر..
تلحفت نور بفوطة من الكتان لدى رؤية
الصغير المتسلل أخفت بها عورة بدنها، وناداها جوهر - الذي عرفها من السينما
والمسرح - باسمها في مسرحيتها الأخيرة معتذراً مما تسبب فيه من ارتباك لم يقصده، ونادى
بعد إذ ذاك بصوت غض على الواقفين يقول كأنما تذكر داعيه إلى القدوم متحرراً من خجل
:
- اثنان من مصارعي الذراع يحطمان حانة
أبي، لقد أوفدني الرجل إليكم بنبأ الأمر علكم تعينوه على ما نزل وينزل به..
وكانت مصارعة الذراع عادة الليل في
حانة السيالة المتواضعة، إذ يجتمع المجتمعون بالمحاباة والرهان على فحلين يتباريان،
وإذ كانت الجمهرة تنطوي على كسب ونفر يشترون الجعة وآخرين يتجرعون كؤوس الويسكي
والنبيذ فقد زكى الجمبلاتي هذه العادة لتربحه منها، مستهتراً في هذا بتحفظ ابنته
سعاد التي كانت ترى فيها خوائية روح ودمامة تشاحن بلا مسوغ وشكلاً غير مباشر من
شكول الميسر والمقامرة،.. ولقد غدا الأب من وراءها وقبل اليوم متمولاً رضياً، واليوم
"من أعمالهم سلط عليهم"،.. وقالت سعاد متذمرة :
- ألا بئست صنائع المخمورين !
وأجابها نبيل متحفزاً وهو يتحاشى صدفة
البحر :
- وما من يد إلا يد الله فوقها ولا
ظالم إلا سيبلى بأظلم، هلم إلى الحانة!
وكان نبيل يركض - متجاهلاً نداءات
صاحب الشمسيات له بطلب المال لقاء أداء دوره - على الرمل الذي يبطئه كأنه المهرول،
حتى إذا صعد إلى الطوار انطلق وفي أعقابه سعاد، وقد بقى جوهر في صحبة نور بإيعاز
منه.
في غبريال..
مرت بسميحة أيام لم تنسَ فيها تورطها
في جرم قتل عطوة، لقد رأت شبح الجريمة يطاردها متى أسنح لها طائف في مناماتها، لقد
كانت مغبونة دائماً واليوم هي ظالمة،.. وكانت تحدث نفسها :"وأسفاه ! وأين
المرحمة؟ ولكنه خطأ واحد، النادر لا حكم له، وسندريلا هي من ألقت به، العَجْمَاءُ
جُبَار وجناية البهيمة هَدَر، لقد أوعزت إليها بما كان ووزري مقصور على مجرد هذا،
لقد شاركت في قتله إذاً وما أنا بقاتلته، وإنه لمستحق عقوبة جزاء ثقل روحه، جزاء
حطته ودونيته، الغضب أعمى، ولكن.. القتل.. وأسفاه!.."، لقد خفتت روحها
الوثابة منذ يومئذٍ وإن ظلت عارفة البخوع والقنوع والرضاء، ورأت في القليل
مَحْمَدة وكفاية، وإذ تحسنت أحوال زوجها عزت فذهب عنه الزحار، وصار على المشي
قديراً فقد التقطت من السماء إشارة مفادها أنها ما أجرمت جرماً جديراً بإنزال
ابتلاء، لقد أنهكت نفسها في العمل ورأته من أدوى الأدواء التي تصرف النفس عن شغلها
وتفكرها، ومع كرور الوقت نسيت عطوة الضائع في بئر مسعود، واغترت بالأيام المنسيات
حتى كان هذا اليوم الذي سمعت فيه من يطرق الباب، ونهض عزت كيما يجيب الطارق مغتراً
بتحسن حالة قدمه إذ هو بات يرى في الحركة البسيطة تمرين مناسب لطور النقاهة الذي
يمر به، وانشغلت المراة في إعداد شربة العدس بالمطبخ فيما ترامى إليها في زمان
هنيهة أناغيم أغنية في عشق البنات الرائجة آنئذٍ على أجنحة من يشغلها على دراجة
بخارية ويمضي،.. وما لبث أن نادى المجيب على زوجه يقول :
- سميحة،.. إنه عطوة..
وما من وصف هنا قد يعادل ذهول المرأة
التي دار بوعيها العجب كل مدار، ونادته كأنما نزل بها رعب مما سمعت تقول شديدة
القلق :
- استبعد أن يكون هو، لعله من يشبهه،..
هل ضعف بصرك مجدداً؟!
وقال عزت :
- لا هو شبيهه ولا نظري قد ضعف..
وتحركت في انفعال أشبه بالغضب إلى أن
بصرت بعطوة رأي عين فاعتقلت شعور الذهول والرعب بين أسوار اعتدال، ولم تنطق ببنت
شفة وتَنَطَّعَت في صمتها حتى سمعت عطوة يقول :
- لا أعرف ولا أذكر الكثير، سيدتي،
لقد فقدت معظم الذاكرة جراء حادثة مريعة، انتشلني أهل المدينة من بئر، أشار عجائز
البئر إلىَّ وتطوع الشباب بحملي، لقد أشاعوا بأنني ناجٍ مبارك، وإنني ناجٍ ولاريب
وما أنا بالمبارك، لقد لقبوني بعزت الناجي، والساعة ما عدت أذكر سوى اسمي وقليل
منذور من أوثق الذكريات، وبدهي المسائل والأسماء،.. لقد سار صبية الحي خلفي حين
رأوني وألقوا عليَّ بالأحجار، وإذ هم فعلوا فلابد أنني قد أجرمت في حقهم يوماً،
لقد ملأت سلة جوز وصرت أرد على المسيء منهم بجوزة، كالنخلة التي ترمى بالحجر فتعطي
من الثمر أطيبه، إنني نخلة اليوم، سيدتي، وأرجو أن تسامحيني أنتِ كذلك على أوزار
قد اقترفتها ولا أذكرها..
وجلس الرجل باكياً حتى أشفق عزت على
رؤياه على تلكم الصورة ملياً وتركه إلى شربة العدس التي تشهى منها الرائحة
الفواحة، ولرؤية المتعدي التائب شفقة تزيد على غيره،.. وإذ خلت سميحة إلى الرجل
فقد تنازعها شعور الريبة تحت ستار الرعب، وتسربت بعض السكينة إلى أطراف نفسها حين
تلمست منه صدق الإنابة، ولكنها ما لبثت تحدث نفسها في غوائلها تقول :"وماذا
لو استرد التائب ذكرياته؟ حادثة البئر؟ وسندريلا في جموحها المنتقم؟ وليل مبطق،
عجائز بئر مسعود الشمطاوات، وغفوة ضمير كالجنون، لماذا عدت؟.. الويل لي إذاً،..
الويل لي..!"، وهتفت في هلع لا يليق بالمقال متأثرة بما دار في خلدها آنئذٍ
وقد اقشعرت لما ساورها من ذكرى العمل العنيف المفظع :
- لقد سامحتك، ولتنصرف..
وكاد الجالس يكف عن بكائه وينصرف،
لولا أن عزت عاد وفي يده صينية ذات فنجانين من القهوة وخبز محشو بالحلبة المعقودة،
وجعل يبعد زوجه من نطاق الرجل التائب، ويقول :
- سنسامحك إذا أنتَ أجبت طلبنا في
أمر.. (تعثر عزت هنا فناداه "بسيد نخلة" قبل أن يعود إلى اسمه
"عطوة")
وأجاب عطوة يقول في تواضع معجب وهو
يمضغ الحلبة المعقودة :
- إنني خادم من آذيتهم..
كانت المهمة أن يعين عطوة عزت على
إعادة الورث الذي انتهبته بائعة الهوى من الجواهرجي في حي كوم بأكير، وإذ أبدى
عطوة حراجة من أن يتردد إلى هناك بما يغشى المكان من سمعة قديمة ردية فقد قرن عزت
غفرانه بإتمام هذا الأمر، وطمأنه بقوله : " لقد انتهى البغاء في مصر منذ
العام 1949م، لا وجود اليوم للحوض المرصود، أو تراخيص المزاولة، فقط شراذم من
الأرذال والغواني تتخفى في عتمات الزوايا وحُجُب الليالي.."، كانت شائعة
"عطوة الناجي" قد راجت في ربوع المدينة على ألسنة عجائز البئر، ثم على
أجنحة من رأى الرجل الذي خرج من جوف الحفرة السحيقة حياً من شهود عيان الواقعة،
وينتظر أهل حيَّنا مثل تلكم القصص بتوقان شغوف حتى يبث من سمع الخبر لمن لم يسمع،
لقد ظهرت صورة الرجل على صدر الصفحة الأولى لمعظم الجرائد الحكومية والمستقلة،
ظاهرة أواخر التسعينيات وأوائل الألفية،.. وما أن دلف عطوة إلى نطاق حارات كوم
بأكير حتى جعل الناظرون والخاطئون يرددون :
- إنه عطوة الناجي..
لقد حرص عزت على إلباس صاحبه الثياب
نفسها التي رئي خارجاً بها من البئر، ولقنه التظاهر بالقدرة كأحد العرفاء، وأما عن
نفسه فقد تصنع في مشيته عوارها القديم، ونادى شيخ الباغيات عليه (عزت) يقول :
- لماذا عدت،.. أيهذا الكسيح؟! أما
علمت منذ الفائت البارح أن الورث لن يعود؟! لم ينجح فيها غيرك منذ كان بأكير نفسه
بديلاً عني، ولن يفلح فيها بعده اليوم أحد.
وأجاب عزت تجاوزه بهدوء يقول كالمنادي
:
- جئتك بالتقي، ابن البئر.
وكانت بائعة الهوى سارقة الإرث ترقب
حديث الاثنين من وراء حجاب، فسمعت شيخها يقول :
- لن يزيدك حضور صاحبك إلا خبالاً
وخساراً..
وتلمح عزت طرف ثوب بائعة الهوى فوجهها
وناداها بالحديث يقول :
- سيبرأ سيدي عطوة قدمي العليلة (وهبط
فقبل يده)، فلتفعل سيدي..
تمتم عطوة بالشعوذات فتحركت القدم
المتظاهرة بالعلة كحركة من لا سقم به، تبلبلت الأنفس وشاعت الهمسات، وتمخض الهرج
عن آدمي يهرول، هرعت بائعة الهوى إلى عطوة تروم أن تقبل يده، وفي يدها المال،..
تقول :
- لقد تبت إلى الله، سيدي، ولتتوسط لي
عنده..
سحب عطوة يده وألبسها سترته، غضب "الشيخ"
من تصرفها الغضب كله فنكزها ونادى على رجاله، ولكن أحداً لم يطاوعه، ومضوا - عزت
وعطوة والتائبة - بين الناظرين كأنهم بقعة طهور على ثوب من دنس، عاد ثلاثتهم إلى
غبريال فبصر عطوة بسندريلا تأكل شيئاً من العلف ورمقته بنظرة عداوة تاركة ما
أمامها، وأيقظت نظرته في نفسه ذكرى منسية، ودارت به الأرض فوقع مغشياً عليه..
رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات قصص
**
في السيوف..
كان رؤوف يجتمع مع تلامذته في مسجده
فيحدثهم عن البشر والبشاشة، وإذ هم بدأوا (تلامذته) كنفر منذور يعدون على رؤوس
الأصابع فقد أحدث له التراكم الكثرة، ما جعله في نظر العوام :"عالم جاوز
القنطرة وأشفى على الغاية"، وأحاطه العدد بأجدرية وأحقية، وإذ مرقت عائشة من
طفولتها فقد صارت لا تلزمه في جلساته بل هي توزع على حضوره أكواب قمر الدين
وتنصرف، أو هي تقف في زاوية من زوايا المسجد الصغير تستمع إلى أبيها دون أن تشاركه
بؤرته فتكون ملقفاً لأنظار المتطلعين، وقال (رؤوف) :
- اليوم، سادتي، وشملة الظلماء مكفورة
تحت رداء القمر المذهب، كما يقول الشاعر،.. نضيف إلى الرقعة قطعة أو قطع لم تكن
موجودة من قبل، إذ نجتمع مع عدد من ذوي العقائد والديانات المختلفة..
ووصف الرجل مسيحياً، وبهائياً،
وربوبياً، بالفضل وبارك للبهائي عيد الرضوان، فشنع عليه (رؤوف) الجلوس ورأى في
أعينهم من ينسبه إلى شرار الخلق، ومن يرميه بالتبكيت والتنكيت، ومن يرى في صنيعه
تقنيعاً لمرام في قصده مريب، وعاد يلتمس صورة بريء الساحة فيقول :
- لا نشاركهم فيما ذهبوا فيه، ولكننا
لا نعدم من أن نشركهم مجلسنا،.. والواثق المطمئن لا يلج في خصومة، وإنما يستوعب من
كان على غير ملته، وإن رآه لا يمت إلى الحق بسبب ولا يعتصم منه بعروة، والعاقل الفطن
كذاك من عدد وجهات النظر، نريد أن نتحرر من قيد الطقوس والأشكال فنتحرى إنضاج
الروح والنفس، ومن قال إني على ما يخصني عليم فقد عرف القليل، وهو فيما عداه
جهول،.. وما دمت مدفوعاً بالخيور فلا يهم أين تسير..
وشرب رؤوف من كوب الماء رشفة أزعجت
عائشة التي كانت على شيء من الميزوفونيا، واستأنف بعد فترة طالت وكان يعمد إلى
الإنشائية التي ترهق ما بمستمعيه من تحفز مقلق :
- ولسنا ضعفاء أنكاس حبيسي شرنقة وإن لأرى
السلامية تطوف في مجلسنا هذا كطائف رضاء يزري بالزعازع الكونية، وصدق أعز القائلين
: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم
الله..
وتحدث البهائي واسمه شوقي فجعل يقول
وسط ريبة :
- أعزائي، المسلمون، يعود تاريخ
البهائية في مصر إلى ذلكم اليوم البعيد من عام 1868م حين توقفت في ميناء الإسكندرية
السفينة التي كانت تقل حضرة بهاء الله إلى منفاه الأخير في مدينة عكاء، لقد احتوت
الإسكندرية الرجل في يوم نبذه فيه العالمين، وأذكر أنه أقام فيها حيناً في ضاحية
الرملة، وهذه مدينة مباركة وأهلوها طيبون..
وإذ وجد المتحدث من ناظريه نقص تجاوب
فقد وجه ببصره إلى واحدة منهم، وكانت عائشة التي تحمل صينية الأكواب الفارغة، وقال
شيئاً يلتمس به نقطة التقاء :
- البهائية بالأساس هي إحدى الديانات
التوحيدية..
وتدخل رؤوف وكان يظن بتدخله أنه يحسن
موقفه :
- معرفتي تدلني على أن البهائية مزيج
من ديانات الهند القديمة، والصين، وفارس، واعتقادات الفلاسفة، وغلاة الصوفية،
والباطنية والأديان والشرائع السماوية، إنه قريب منَّا، نحن الصوفية..
ونبذ شوقي حديث الآخر وارتأى فيها إشارة
وصمية لا تصحيحية فالمجمع لا خصوصية له ولا تفرد، وجعل يقول دون أن يهبط بناظريه
عن الواقفة (عائشة) :
- لسنا من أهل الصُّفَّة والصوفية،
ولأبي اليزيد البسطامي طيفور بن عيسي مثلاً شطحات لا نظير لها في مذهبنا، ولا نقبل
بها..
وصمت شوقي بعدئذٍ وانتقل الحديث إلى
المسيحي، هذا الذي قوبل بمثل تلكم الريبة التي قوبل بها الأول، وختم رؤوف حديثه
سريعاً بقوله :
- حقاً،.. علم العلماء في علم الأولياء
كعلم الأطفال في علم العلماء، وفي مزامير داوود كلنا أبناء الله،.. وحين يصل المرء
إلى الحالة الوجدانية المجردة تأتيه العلوم والأخبار حضور مجرد لمجرد،.. (وألمع
إلى الذي إلى جواره بالحديث يقول..) والآن ننتقل إلى أخانا الربوبي..
هنالك استهول الجلوس هذا الذي كان بلا
دين واستحرت نحوه الأحقاد، ونادى منهم نفر رؤوفاً - لما كان المتسبب في محضره -
فوق لجة الغضائب يقول : "ستبوء بالخسة والصغار والذنب، اقتلوا بيض الأفعى قبل
أن تفقس، أما رأيتهم إلى جبهته الربداء ؟!.."، وأنذرت الوجوه بالعدائية
والانتهاكية فهوت صينية الأكواب من يد عائشة وانكسرت، نهض شوقي إليها وكان أنضج
منها حدساً فكأنما لم يعجب بما أتى به الملأ من شحناء مستنداً إلى تجربته المبتورة
في الحديث يقول :
- فلنهربه وإلا آذوه..
ومضى رفقتها يسعيان في تهريب الربوبي
من المجلس الغضوب حتى إذا تم لهما الأمر عادا إلى رؤوف ومجلسه المشحون بعد دقائق،
وبوغتا به يقول لتلامذته منتشياً :
- لقد عادت إليَّ حقيبة النقود التي
فقدتها في الحضرة الصوفية قبل فترة، (ثم وهو ينظر إلى عائشة وشوقي) جاء في غيبتكما
من أعادها إليَّ كارهاً المقابل والجزاء، كان غلاماً صبوح الوجه وضيء المحيا
وليتكما رأيتماه، حقاً، لقد تجنبته أولاً فالعارفون، وأسأل المولى أن نكون منهم،
يتحاشون فضول النظر تحاشيهم لفضول الحديث والطعام والسمع لولا أن نادى هو عليَّ
فبصرت به وبعطيته الممنوحة التي هي هبتي المفقودة،.. لا شيء يضيع في حساب المحب (وكررها
مرتين)، سادتي، ولترمِ بالمال في حيَّنا كيف تريد وقد تجد من يرده إليك، إن هذا
إلا رهاني على تلكم الخيرية المتجذرة في النفوس، التي هي انعكاس شعورها بالله،..
لقد سأل سائل : أين الله؟ فأجيب : فلتترك نفسك وستراه، إن كثيراً من المؤمنين
المتحمسين، ممن طردوا "صديقنا" الربوبي لتوهم، بصيحاتهم المستهجنة المتحمسة،
ولديهم بعض استعداد مماثل لإيذاء من خرج عن الإجماع اليوم كأرباب الإلحاد أو الأمس
كالدهريين، يساورهم السؤال نفسه، بل ما من مؤمن بحق إلا وساوره السؤال في مرة أو
مرتين..
وهتف صادعاً يقول :
- إذا سكنَ الغديرُ على صفاءٍ..
وجُنِّبَ أن يحركهُ النسيمُ
تَرى فيهِ السَّماءَ بلا
امتراءٍ..كذاك الشمسُ تبدو والنجومُ
كذاكَ قلوبُ أربابِ التَّجَلِّي..
يُرى في صفوها اللّهُ العظيمُ
وتوجه إلى تلامذته يقول :
- لقد انفض المجلس، اليوم، سادتي..
في زيزينيا..
أحرز طليمات تقدماً في مجالي الموسيقى
والسياسة، فإذا رسخ الرجل أقدامه الحزبية بانتصاره البرلماني الفائت فقد ألحق بهذه
انضمامه إلى جمعية جيل المستقبل، وتجهز للاستحقاق الانتخابي القادم ( 2000: 2005م)
في ثقة بالنصر عزيزة المثال، وصار قديراً على مقطوعة رحلة النحلة (Flight of the bumblebee) الصعبة في حفلاته المحدودة التي صار يحييها في المراكز الثقافية،
واجتماعات الساسة وأولي الثروة في فيلته،.. كان يعزف عزفاً منضبطاً كجندي مخلص بلا
موهبة قيادة، أو فطنة استشراف، أو مهارة مناورة، بلا تنويع في سرعة الأداء، ودون
ارتجالات، إنه يحشد في مجلد ضخم نوتات العازفين ويحشر ملاحظاته فيه، ولو أن هذه في
مجال غير الفنون التي تدور في مدار الخلق والحرية لعدت هبة من نوع ما، هبة
الالتزام التام، فلنقل،.. وعزَّ تردد الرجل على حانوت حسين الذي تأثر بدوره بما
كان يسمعه من نجله، ولكنه (طليمات) عاد ذات يوم يزوره ويقول :
- ألن تكمل استمارة الالتحاق إلى
جمعية جيل المستقبل؟
- كلا..
- ستخسر فرصة الانضمام إلى كوكبة رجال
الأعمال المصريين، بمقدوري أن أزكيك إن بدرت منك رغبة..
وسأله حسين في غير كثير اهتمام :
- وما هدفها؟
- تطوير قطاع الموارد البشرية..
وابتسم حسين يقول :
- لا أحد يصدق في هذا، إنها توطئة
لإعداد ولي عهد.
وابتسم طليمات هو الآخر يقول :
- وماذا يضيرك؟ لقد حدثتني عن
الملكيات حديثاً طيباً..
وكان حسين يأخذ يرتب أعواد الحانوت
فجعل يهمس في نفسه "العود العربي،. العود التركيّ أو اليونانيّ،.. العود
القديم،.. أو العود الفارسيّ.."، والتفت إلى محدثه بعد إذ فرغ من شاغله يقول
:
- سأرضى بالانضمام إلى
"الكوكبة" إن تدخلت وسمحت لندوة إياد أن تتم في جامعته..
وساءه أن يستمع إلى اسم الولد الذي
كان يرى فيه متجاوزاً أرعن، وسأل حسيناً وهو يشيح عنه النظر :
- وما موضوعها؟
- الديمقراطية في مجتمعات العالم
الثالث..
ووجد حسين من صاحبه تلكؤاً فأردف
(حسين) يقول :
- إذا كنت في مقام نجلك الذي فقدته،
فإياد حفيدك، أليس كذلك؟
- حسناً، حسناً،.. سنغير الاسم
وسنجعله : الإصلاح أولاً، وسأحضرها بنفسي كي أشرف بدوري على ما يدور فيها..
- أخشى أن تستحيل إلى مناظرة أخرى
بينك وبين إياد..
- لا بأس، إنني - كإياد - سيال الذهن،
قوي العارضة، لولا أن صاحبك (يريد نجله إياداً) في لسانه نزق.
- آمل أن تخلو الندوة من شَقْشَقَةِ
اللِّسَانِ، والمجادلة الحمقاء..
- آمل هذا أيضاً..
وابتدأت الندوة التي سرعان ما استحالت
إلى مناظرة جديدة بين الاثنين، قال طليمات :
- لقد رفض أفلاطون الديمقراطية
الأثينية، نيتشه أيضاً لأنه رأى فيها وريثةً للمسيحية، وأخيراً موراس عضو المجتمع الملكي لحركة العمل
الفرنسي لعدم قناعته بوجود مساواة بيولوجية حتمية، هذه الأعلام الخفاقة والعقول
الجبارة تواطأت على رأي واحد صار اليوم مستهجناً في العقل التقدمي الغربي الذي
يرثه المتولهون به هنا دون تمحيص !
وأجابه إياد يقول :
- لا تسق لي الأسماء إذ يعرف الرجال
بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، ما من نظام بشري هو منزه معصوم، بمقدوري أن أسوق لك
الأسماء التي تؤيد الاتجاه الآخر، إنها حكم القوانين لا الأشخاص،.. إنها
أسوأ نظام باستثناء جميع الأنظمة الأخرى، كما يقول تشرشل..
والتقطت طليمات قبساً من حديث الآخر
ونسج عليه فأزاد يقول :
- أنت تقر بأنها سيئة إذاً، وإننا
نقول بأننا نمضي في طريقها ولكن لا يجب أن نستبق الخطى فنتعثر،.. إنني معها بضوابط
: الاستحقاق يتم بامتحان في التاريخ والسياسة النظرية والاقتصاد، وكذا في برامج
المرشحين المتقدمين، وتمويل الحملات الانتخابية يشارك فيه الناخبون أيضاً،.. وأما
المرشحون المتقدمون فنضع عليهم شرائط هي على مثال الناخبين أو هي أشد، لابد من
مستوى من الوعي اللائق، إذ سيفضي الأمر لو أنه تُرك بلا ضابط إلى وصول أراذل
ديماجوجيين إلى مقاعد تشريع ورقابة.
وقال إياد :
- أنت تكرس لناخب من نوع خاص قد لا
نجده أبداً، لا يبقى إلا أن تشترط فيه النبالة والانتساب إلى عائلات بحيالها،..
المواطنة تقتضي مشاركة الجميع على قدم سواء، إن في إشراكهم في القرار إخماد
لشعورهم بالتهميش، وقد قيل : عجبت لمن لا يملك قوت يومه ولم يخرج شاهراً سيفه..
وأجابه طليمات :
- أنت تكرس لحكم الغوغاء وسلطة
الدهماء، ولا تستدر عطفي بذكر الجوعى والخمصان، فمن ارتضى مقدورات الأيام دفع عن
نفسه غائلة الحسد،.. هل تتوقع أن يصيب استحقاق الغاية منه بمشاركة من الأميين
والجهال؟
- من المحتمل أن..
- الدليل إن طرقه الاحتمال بطل
الاستدلال به..
- لماذا لا تترك لي فرصة الحديث؟
- ...
- لقد جُعلت الرموز لإرشاد الناخبين
الأميين، وبعض الأميين لديهم حكمة اتخاذ القرار التي يكتسبها من معاركة الحياة فوق
المتعلم، إنها ثقافة الموروث الشعبي لا ثقافة الكتاب..
- بربك.. على أي أساس وبأي مسبار
يختار من جهل باسم المرشح ويلجأ إلى نجمة أو مفتاح كي يسترشد بها إليه؟ إنه يضرب
في العماية كالمصوب في فرح العمدة، وقد تسوقه زجاجة زيت إلى قرار ندفع ثمنه
جميعاً.
- التجربة وفلسفة الصواب والخطأ
مرشدته، من أجاد سيبقى ومن أخفق سيُبدل، البقاء للأصلح إذاً، والأمر شبيه بفلسلفة
صانع الساعات الأعمى في التطور التي أوجدت إنساناً بعقل مركب في مسارات بيولوجية
متشعبة قومت التجربة الطفرات فيها فأبقت واستغنت، وإذا نجح الأعمى في البيولوجيا
فسينجح الأمي في السياسة..
- هل نجعل من البلاد حقلاً للتجربة
إذاً؟ رمة تُلقى للذئاب الصائدة؟! أفضل أن يسوق عربتي أحمق واحد من أن يتنازع على
قيادها ثلة من الحمقى، ثم إنني لا أصدق في صانع الساعات الأعمى فلكل حدث وتحور
مشيئة وغرض، ولو بدا الأمر غير كذلك فلاح في مرة منحرفاً عن القصد منه فهذا مما
يصح نسبته إلى إبداع الفن الكوني وأبسط مبادئه : ألا تكون مباشراً.
- هل بمقدورك أن تسوق لي أنموذجاً
معاصراً لبلد مزدهر في حين يقبع متأخراً على مؤشر الديمقراطية؟
وأجابه طليمات :
- كوريا الجنوبية، الصين لا بأس بها
أيضاً وهي تنين صاعد، تشيلي بينوشيه، وروسيا ستالين التي قفزت من المجتمع
الزراعي إلى الصناعي والذري..
وانفجر الآخر كجبل بركان فائر حممه
الشباب والاعتراض يقول :
- روسيا ستالين ! فتلطبق هواجسك
الاستحواذية هناك إذاً إن سلمت من التهجير والقتل والمنافي.
وانتقل طليمات إلى مبحث آخر كأنما
يعرض لمقترح في نبرة أخف تحدياً:
- فلتغير قاعدة الوعي قبل أن تنادي
بتبديل الرأس.
- السمكة تفسد من رأسها، الوعي محصلة
مشتركة : يشكله العوام بكثرتهم وتصيغه النخبة بوسائلها.
- أين النخبة التي يُعول عليها حقاً؟
- إنني أرهن على النقابات والمؤسسات
والجهات لا على أفراد بحيالهم..
واسترسل إياد في نفسه - بعد جوابه
الأخير - استرسال السادرين الساهين، وكان يرقب انصراف الجلوس عن مجلسه، وفكر في أن
المناظرت ليست باباً رشيداً لاستجلاء حقيقة، أو تمييز غث من ثمين، ففيها الغلبة
للأحضر ذهناً والأوفق لساناً والأذكى تواصلاً، وفي حذلقة الآخر ما يخفي أغوار
الصواب،.. وسأل محدثه عبثاً :
- ماذا تريد إذاً؟
- الإصلاح أولاً، هذا الذي يؤهل لما
بعده، كما يشير عنوان الندوة..
ونهض إياد عن "الندوة" التي
انفض عنها جل حضورها غاضباً، وقد نسي على طاولته كتاب طبائع الاستبداد ومصارع
الاستعباد للكواكبي، وقال طليمات يحدث القليل الباقي :
- لقد وقع صاحبكم على نقاط صحيحة
منذورة بل هي معدومة، لم يكن في لسانه بكو بل فيه نزق ورُعُونَة،.. حقيق بكم أن
تتعلموا التواضع حين تساجلون الأكبر وتتحدثون إليه،.. والتواضع من كبير له نبالة
فوق الصغير..
كان الغضب الذي يملأ إياد آنئذٍ عنيفاً متدافقاً،
إنه غضب الشباب الفوار الذي يستأهل التفكير في الانتحار، لقد ود أن ينخلع من
دنياه، ونودي في سره بنداء : "فلتترك هذه البلاد ولتسح في الأرض فما أرحب
أقطار البسيطة، وما أفسح جوانب المعمورة.."، لقد أطاع الشاب نداء باطنه إذاً
واستقال من رئاسة الاتحاد الطلابي، لقد سافر أيضاً لاستكمال دراسته في ألمانيا..
**