روايات، استمتع بأفضل روايات الرومانسية وروايات الرعب وروايات التاريخ في موقع واحد.

روايات، استمتع بقراءة والاستماع لروايات الرومانسية والرعب والتاريخ والخيال العلمي والبوليسية،

عشرات القصص المثيرة والحكايات في انتظارك.

2024/12/12

في قبضة القدر

                           الفصل الثاني: في قبضة الأقدار





استمع إلى الفصل:





 

- ما العمل إذا؟ نخفض ظهورنا للخلق كي يصفعونا؟

- يجب أن تمروا بفترة تعلم في مدارس الغرب، لن يتأتى هذا إلا بالإقرار بالهزيمة الحضارية أولاً.

- لازلنا نتعلم في مدارس الغرب منذ جاء نابليون إلينا بالمدافع، انظر ماذا جنينا؟ تريد أن تجردنا من كل ما يميز هويتنا كي نتقدم على هواك؟ لن يكون هذا "نحن".

- ما فائدة أن نكون "نحن" حقاً؟ ألا ترى أن المشكلة تكمن في "نحن" هذه؟ ثم ألم يكن هذا مشروع طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"؟

- عجبت لحالك، لا يقيم المعماري بيتاً بلا أساس، وتريد لنا أن نتقدم بلا أصل ولا هوية،.. إنني أفضل مشروع العقاد.

- ليس للعقاد مشروع حقيقي، الأوربيون لم يسرقوا معارف العرب، ولكنهم خلقوا عالماً أفضل بمبادئهم التي تقوم على الحرية، هذه الكلمة التي ليس لها ذكر في معجم أدبيات التراث العربي، يحب جمهور العرب نمط المثقف الذي يكرر على أسماعهم ما يعرفونه سلفاً كأنه أتى بجديد.

- يبدو أنك لم تفهم ما كتبه،.. خلقنا معالم حضارتنا إبان العباسيين.

- لازلت تجتر الماضي،.. المهم دائماً هو الآن وهنا.

- من لا ماضي له، لا حاضر له، الصين لم تتقدم بثقافة أوروبية.

- حسناً، ربما، اقتنعت بهذه،.. هل اقتنعت بشيء مما حدثتك به؟

- أجل، شيء واحد فقط، الموقف الأخلاقي لا يغير شيئاً، فبينما نحن نتحدث لا يزال الأبرياء يُقتلون.

- إلهي ! لا أفهم لماذا تتعاطف مع أشخاص لا تربطك بهم صلة مباشرة، منذ بضع سنين امتلأت وسائل التواصل بقصة طفل مغربي سقط في بئر.

- اسمه ريان.

- أوه!  كان يجب أن أتوقع أن تعرف اسمه، لماذا يتعاطف العرب مع ريان على الخصوص؟ الحق أن في كل بيت قصة حزينة مماثلة سببها الفقر وسوء الظروف.

- لا ريب أن هؤلاء في قبضة أقدار أرحم، إذا لم يتحرك فؤادك بالحزن لوفاة طفل في بئر، فماذا عساي أن أصنع معك؟ 

 - لم تفهم مقصدي.

- مقصدك مفهوم ولكنه قبيح.

- القبح لا يعني البطلان دائماً.

- الله وهب لنا الشعور لنميز به كالعقل.

- المشكلة أنك تساوي بين العقل والشعور في جملة.

- المشكلة أنك مبتور الشعور.

- أحسب أن هذه هي أفضل طريقة للحكم الجيد على الأمور.

- لقد عدنا إلى حيث بدأنا.

- لم أتوقع أفضل، هل معك فودكا؟

- معي سجائر..

من الجيد أنك لا تزال تميز بين الأمرين، التمييز وظيفة إدراكية وأنت لا ترى الأشياء إلا عبر إحساسك نحوها.

- فلتصمت، لا تستحق السيجار..

- الحكم على الأشياء من زاوية الأخلاق وحده غير مفيد، الأحرى أن تزن الأشياء بميزان الأجدى والأنفع، ما الذي يقرر الوجاهة والتفوق؟ التاريخ لم يوجد حصراً ليكون ساحة للأحكام الأخلاقية، دعني أوضح لك، ولأضرب لك قضية فلسطين كمثال : إنني أسلم بأن اليهود ليسوا أصحاب الأرض،.. ولكن، ماذا لو انتصرت حماس في حربها؟ سيكون هناك حماس أخرى، ستخرج فئة على حماس، وسيجدوا من الاختلافات الفقهية ما يبرر موقفهم، سيقولون بأن حماس لا تطبق التعاليم الربانية تطبيقاً حسناً، هناك باب للاختلاف دائماً، هناك ذريعة للانشقاق، وليكن تعاليم ثانوية حول أتفه المسائل،.. هناك تساؤل آخر وبفرض عدم وقوع الخلاف : كيف ستدير حماس المجتمع الفلسطيني إن حدث ذاك النصر المنتظر؟ كيف تثق في إدارة رجال مسلحين ومعصوبي الأعين لمسائل مدنية؟ هذه مسائل جد متشابكة، ثم تأتي أنت لتضع خطاً أخلاقياً عاماً تختزل معه كل هذا التعقيد، وتريح نفسك.

- إنني أثق في أبي عبيدة ولو لم يكن يصلني منه سوى الصوت فوق ثقتي في قادة إسرائيل ولو رفلوا في البذلات،.. إنني أكتب رواية اسمها جمهورية الأرض، في هذه الرواية تنتهي حدود الدول، لا جيوش، فقط قوات نظامية بسيطة لحفظ الأمن، سيكون هذا المآل الذي ينتهي إليه العالم حتماً.

- لا وجود لهذه الأحلام في غير الروايات.

- وهل تكره حدوث هذا؟

- دعني أسلم لك بوجود هذه الجمهورية الرائعة، حتى في هذه اليوتيوبيا الأفلاطونية لا أتوقع حدوث سلام بين إسرائيل وحماس.

- هذا ليس مضحكاً.

 - هكذا هي الحياة..

- هذه حياتك، تراها بعين طبعك،.. لماذا لا تترك العرب وشأنهم إذا أنت تحتقرهم؟

- إنني لا أحتقر العرب.

- لا أكاد أجد فارقاً بين حديثك وحديث الكارهين.


- هكذا يختلط عليك النصح..

- لا يوجد من يستمع حقاً لنصائحك، لن تجد لحديثك من جواب إلا صداه..

- إنني أعرف هذا، وهذا يبرر ما وصلنا إليه..

- ما قيمة إرادتك إزاء إرادة الشعوب؟ ما قيمة ما تعرفه حيال الوعي الجمعي الذي يتفاعل ليسير في هذا الطريق أو ذاك؟

- لا وجود لإرادة الشعوب، هناك تيارات تتحرك بإرادة الأقوى.

- جدير بالمثقف أن يوجه هذه التيارات لما يرى فيه الحق والحقيقة.

- هل تعتقد أن هذه قوة مؤثرة؟

- هذه قوة ناعمة ومؤثرة.

- لا يمكن أن تكون ناعمة ومؤثرة، لتكون مؤثراً بحق يجب أن تكون تصادمياً، أن تجيء بفكرة جديدة خير من أن تحاول إصلاح ما هو قائم،.. فلنفرض أنك تأكل في مطعم، في هذا المطعم حجرات تقدم أطباق مختلفة، فلنقل أنك كنت تأكل في الحجرة التي تقدم طعام الجمبري، ولنفرض أن رجلاً جاءك ليقول منفعلاً :"أوه ! أنت تأكل في الحجرة التي تقدم أفضل طعام في هذا المطعم، أنت رجل محظوظ!"، ماذا سيكون شعورك نحو هذا الرجل؟

- ما علاقة هذا بحديثنا؟

- فلتجبني أولاً..

- لا ريب أنني سأحبه، ربما أقدر الجمبري أكثر أيضاً.

- هذا تماماً ما يفعله مشاهير "المثقفين العرب"، بعد ترددهم على المذاهب السياسية والدينية، يعودون بعد رحلتهم المزعومة ليوهموا الجماهير بأن ما ورثوه في الأصل هو الصواب، ولاعجب أن يحوزوا الإعجاب بعدئذٍ.

- هذا أفضل من الاختلاف لأجل الاختلاف،.. فلنتحدث في موضوع آخر. 


     اضغط على رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات قصص


 اقرأ أيضاً : 

الفصل الأول:   غصن زيتون ومسدس

الفصل الثالث : جمهورية الأرض

الفصل الرابع : أن تطلب الحب