روايات، استمتع بأفضل روايات الرومانسية وروايات الرعب وروايات التاريخ في موقع واحد.

روايات، استمتع بقراءة والاستماع لروايات الرومانسية والرعب والتاريخ والخيال العلمي والبوليسية،

عشرات القصص المثيرة والحكايات في انتظارك.

2024/12/21

طفل الجبل المبارك يعود من جديد

                                 الفصل الحادي عشر: طفل الجبل المبارك يعود من جديد






 


صار باسليوس ضيف شِعْب الجبل ينتظر هناك عودة موكب الغجر رفقة لوقا، تعلم باسليوس من لوقا استخدام الغدارة لأنه كان يخشى مصير أبيه غالي، وجرب أن يضرب نباتات الغابة المتحجرة بعصا الجريد، أراد إجادة فن الدفاع عن الذات تحسبا للحظة غدر كالتي وقعت في ميت غمر، تحدث لوقا قائلا:

- هذه الغدارة أكبر من المسدس وأصغر من البندقية، أودعها الرب سرا يسلب الحياة.

كان باسليوس يصوب على أحجار غابة النباتات المتحجرة خلف المقطم، وصفه لوقا يوما: بأسوأ مُصَوِّب رآه في حياته، قال باسليوس معللا قلة مهارته في استعمال السلاح:

- إنني أرى أبي غالي في كل طلقة..

وحدس لوقا بصعوبة تعليمه فسأله في ساحة هو أهل لها:

- هل ناقشت الوالي في مسألة ضريبة الحواة؟

أجابه باسليوس:

- منذ هرب هؤلاء الفلاحون إلى عكا ورفض واليها عبد الله باشا إعادتهم فهو لا يقبل النقاش في أي مسألة غير الحرب.

ضرب لوقا بالرصاصة فأصابت الهدف، وقال:

- نجح إبراهيم باشا في دخول العريش وعكا ودمشق وحمص دون قتال كبير، وفي مضيق بيلان بين حلب والإسكندرونة* انتصر انتصارا حاسما على جيش السر عسكر حسين باشا، وها قد سلمت أنطاكية والإسكندرونة واللاذقية، ودخل الفاتح أضنة وقونية، لم تفلح محاولات الصدر الأعظم رشيد باشا في التصدي للجيش المصري الذي يتقدم الساعة إلى كوتاهية.

أبدى باسليوس امتعاضا شعر به لوقا مع كل إضافة، وكان يرى في أيِّ نصر لإبراهيم باشا قاتل أبيه؛ هزيمةً شخصية له، قال:

- هذه أخبار يعرفها العوام، وأما المُبْتَلَوْنَ بالعمل في الحكومة من أمثالي فيعرفون أن القيصر الروسي قد هب بتحريك أسطوله إلى الأستانة، وأن أوروبا ستبذل وسعها لإنهاء الحرب بغية إبعاد روسيا عن البوسفور.

قال لوقا:

- أخشى أن تحملك المرارة على كراهية بلادنا، أبي كان يقول لي دائما: فلتُحِبَّ الجبل ولتكرَهْ رجال الوالي.

انفعل باسليوس:

- الجبل ورجاله نسيج لا ينفصل، والمهانة لا تُبقي لعاطفة نبيلة مكانا في نفس.

قال لوقا مُحَوِّلًا مجرى الحديث:

- لقد اقترب أربعاء شهر صفر، إن لم تتغير الضريبة فيجب انتظار عام آخر.

وقال باسليوس فيما يزحف الظل على وجهه:

- أجل، حتى فردة النخيل لم تتغير.

صحب باسليوس لوقا إلى معبد البيت، أمسك لوقا بالسيف الذهبي الذي وهبه بابا رومية للمعلم غالي يوما اعترافا بفضله، وقال باسليوس:

- هذا سيف أبي..

بدا لوقا ماهرا في استخدام السيف الذي انتهى إلى عنق باسليوس، وقال:

- أنت رجل طيب، والرجال الطيبون لا يصلحون لقتال أو لجندية، لعلك المتأثر بقول المسيح: لا تقاوموا الشر، من ضربك على خدك فاعْرِضْ له الآخر، ومن أخذ رِداءَك فلا تمنعْه ثوبَك*! لقد نشأت في معبد، باسليوس!

أزاح باسليوس السيف الذهبي عن عنقه وهو يقول:

- اليوم إنني أردد ما جاء في سفر اللاويين (24:20):"كَسْرٌ بكَسْر وعَيْنٌ بعَيْن وسِنٌّ بِسِنّ، كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه.."، لقد ضقت ذرعا بدور الحمل الوديع، إنك زاعم أن الأقباط الطيبين لا يصلحون للقتال لأنك لم تسمع ما عرفتُ أنا عن سير الجنرال يعقوب ميخائيل، والكولونيل مكاريوس حنين، والكولونيل غبريال سيدراوس، والكولونيل حنا هرقل، والقومندان منصور، وهم جميعا من خيرة القادة الأقباط المصريين في هذا الزمن الماضي القريب*، أبي غالي كان يعرفهم جميعا، وقد جعل من مآثرهم حكايات الفراش يَقُصُّها عليَّ، ومنهم من لا يزال حيا.

خفض لوقا السيف الذهبي وهو يقول:

- وكأنك تكسر قول المسيح لأجل حزمة رجال؟

- لكل زمان نبيه وقانونه،.. هل عاش الأنبياء في عصر مضطرب كهذا الذي نعيش فيه؟ هل فقد أحدٌ منهم أباه واضطر إلى الانحناء لجلاده؟ إذا لم نقاوم الشر اتسعت رقعته وساءت سيادته على الرقاب.

صمت المتحاوران قليلا صمتا مشبعا بالمشاعر،  قال لوقا:

- سأخبرك بأن أحاديث المسيح تصلح لزماننا أيضا، ولكن اتبعني، سيدي..

تبعه باسليوس على أَكُفِّ الحيرة والاضطراب، إنه يقتفي أُثر خطواته الصغيرة المتتابعة وها هما يعودان إلى الجبل، كان النسر الأشهب يؤدي استعراضه المهيب في السماء، تساءل باسليوس:

- وماذا بعد الجبل؟

ابتسم لوقا  ابتسامة ذات ضياء وهو يقول:

- أنْتُمْ نُورُ العَالَم. لَا يُمكِنُ إخفَاءُ مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى جَبَلٍ، وَلَا يُشعِلُ النَّاسُ مِصبَاحًا وَيَضَعُونَهُ تَحتَ إنَاءٍ! بَل يَضَعُونَهُ عَلَى حَمَّالَةٍ مُرتَفِعَةٍ لِكَي يُضيئَ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ فِي المَنزِلِ. هَكَذَا أيضًا، اجعَلُوا نُورَكُمْ يُضِيءُ أمَامَ النَّاسِ، لِكَي يَرَوْا أعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ، وَيُمَجِّدُوا أبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ*.

جعل لوقا يصعد منحدر الجبل، كان الغلام حافي القدمين رشيق الجسد، على حذر تبعه باسليوس الذي فقد نعله، عند قمة الجبل أزاح لوقا حجاب الشجر فكشف عن بيوت كثيرة، لها شبابيك من البرونز، والزجاج الملون، وإنها لذات تدوين محفور ونقوش، وأَسْقُفٍ مغطاة بفروع الأشجار وسَعَف النخيل، هناك تمرح الأنعام والماشية، وينتظم الناس في سعيهم قرب الحيوانات الداجنة، تقدم لوقا بين البيوت وقال:

- هذه بيوت الأهالي..

همس باسليوس مأخوذا:

- ما عادوا يختبئون في الشِّعب، مدينة مبنية على جبل! أَلَا إنَّ هذا لَأَبْهَى شيء رأيتُه في حياتي..

تقدم باسليوس في تُؤَدة، احتفل الأهالي يومئذٍ بعودة طفل الرب، بارك الرجال والنساء مَقْدَمَهُ، روى المشايخ للأطفال قصة الذئب مجددا، رأوا فيه الأسطورة في تجليها الحي، وهتفت النساء:"إنه أقصر مما توقعنا.."، وتمسحت به نسوة كُنَّ يُعانين العُقْم حتى بُهِتَ طرف ثيابه، بمقدور باسليوس أن يرى نسر الجبل الأشهب عن قرب، وحين آن المغيب كان الجبل قد تلفع بغلالة من ضوء وَانٍ، واكتستْ الأحياء والجمادات فيه بالقرمزية المشعشعة، تعشَّى باسليوس بلحم بقري هو من صيد الأهالي، وقال للصغير لوقا:

- أيها الغلام الطيب: لم أتعلم منك الصيد اليوم، ولكنني تعلمت منك ما هو أَجَلُّ وأَهَمّ.

وبغتة تنادى الأهالي لمتابعة رياضة الجريد، تحرك لوقا إلى قمة الجبل المشرفة على ما تحته وتبعه باسليوس، استحال محيط السفح ميدان تبارز، لقد بصر المتفرجان من علِ بفارسين يركضان عَدْوًا من جانبين متقابلين، يتدانيان حتى يشتبكان، وفي أثناء هذا قَذَفَ أحد الفارسين بأقصى ما في ساعده من الشدة والقوة عصا مصنوعة من جريد النخل، طولها ست أقدام، يروم بها إصابة الفارس الآخر، وحدس باسليوس بأن العصا إن بلغت هدفها أصابت مُتَلَقِّيَها بجرح بالغ، أو لعله يلقى بسببها حتفه فأغمض عينيه، وهمس بأدعية التوسل للرب، وانحنت كتفاه بالتضرع، وسمع لوقا يقول له في هدوء:

- كانت رياضة المماليك، وهم كانوا أحسن فرسان المعمورة طُرًّا.

فتح باسليوس عينيه برفق، وهو يقول:

- مولاي، لا يذكر عنهم (أي عن المماليك) إلا وجوه الضعف والجبن.

كان الفارس المقصود بعصا الجريد قد نجح في اتِّقاء الضربة واختطفها بيده وهي تخترق الجو مُصَوَّبةً إليه، هلل الأهالي وصفقوا، وقال لوقا:

- ذلك أن مولاك ينظر إلى الأمور بعين طبعه..

تجمهرت النسوة حول باسليوس، وتركت الفتيات عرائس القش فانطلقن صوبه، وراحَ الصبية يهتفون:

- فليُؤَدِّ طفل الجبل المبارك رياضة الجريد!

أدرك لوقا عَظَم الخَطْب مِن تَفَهُّمِه لطبيعة باسليوس وضَعْف مهارته في استخدام السلاح، وقال:

- لم يعد باسليوس طفل الجبل الميمون واليوم هو موظف القصر المطيع..

قالت امرأة حمساء الخيال حادة الشعور:

- أيعقل أنه قد فقد حاسَّته؟

عجب لوقا حين سمع باسليوس يقول:

- رأيت مثل هذا في ملاعب الخيل بأوروبا، وأستطيع أن أتفادى ضربة عصا الجريد.

اقترب منه لوقا يحذره:

- كيف تفعلها وأنت لا تجيد حتى استعمال السيف الذهبي الصغير الذي رأيته في معبد بيتك، سيف البابا بيوس السابع؟ فلتسمع لي، سيدي، فلعل بعض الجهل أورثك رعونة التصرف: قبل أن يبرز الفرسان لأداء هذه اللعبة العسكرية يقضون زمنا طويلا في التمرن.

هذه طفلة تقبل باسليوس وقد تعلق لعابها بخده، فقال:

- لقد تمرَّنَّا قليلا في جبل المقطم.

- وكنت الأسوأ من بين من شهدتهم يتمرنون فيه! كيف ستفعلها؟

قال باسليوس وقد غَرَّتْه حفاوة المحتفين به:

- بالإيمان الذي سار به الصالحون على الماء*!

- سيدي، إن الإيمان يتجلى في النفس بتوفر الإمكانية التي تدعم الإرادة.

- لا تقلق، أحتاج شعيرة منه على أي حال، كما قال المسيح*، وأستطيع أن أقتبس من هذه الحفاوة ما يعينني على نفسي..

لا يدري لوقا كيف صار باسليوس جالسا على متن الجواد أمام مُنازِعه، وحين اقتربت عصا الجريد من وجهه تفادى لوقا النظر، وعلت تصفيقات الأهالي وهم يرددون:

- لقد تفاداها! طفل الجبل المبارك! لقد تفاداها!

قُدر لباسليوس أَجَلٌ جديد، انتقل من سرج الجواد محمولا على أكتاف الأهالي، لم ينم الجبل يومئذٍ، ظلت العيون هواجع ثَمِلةً بما رأت، اشتعل رأس الجبل بقناديل ومشاعل، ودبت فيه حركة هي أشد من المعتاد، وفي الاحتفال قالت صبية صغيرة*:

 

وإذا العناية لاحظتك عيونُها.. لا تخشَ من بأسٍ فأنت تصانُ

وبكلّ أرضٍ قد نزلت قفارها.. نم فالمخاوف كلّهنَّ أمانُ

واصطد بها العنقاء فهي حبائل.. واطعن بها الأعداء فهي سنان

وافتح كنوز الأرض فهي غرائم.. واقتد بها الجوزاء فهي عنان

 

وبدا في وهلة أن الحياة وهبت الجميع سِرَّها ورحيقَ مَسَرَّتِها، قبل أن يتطوع أحد الرجال بسؤال باسليوس عن الضريبة التي تُثْقِلهم فتحرج، قال قائل منهم: كيف نحتفل بفارض الضرائب ثم نُطْلِعُهُ على سِرِّنا ونُشْرِكه في طقوسنا؟ لقد تحدثوا عن الضريبة الشخصية وفردة الرؤوس وفردة المنازل وضرائب المقاطعات (الساحَات والميادين والأسواق)، عرج والد لوقا المدعو جرجس في حديثه على ضريبة مقاطعة الخردة، والسلخانة (الجزارة)، والخمارة، والصاغة، ووكالة الصابون، وساحة الإسكندرية، هذه التي يجمع ضرائبَها أقاربُ الباشا أنفسُهم، وسَرَتْ الهمهمات واضطرب مشهد الامتنان الحفيل، وناءت النفوس بمشاعر ثقيلة الوطأة، حاول لوقا أن يجد لصاحبه منفذ هرب:

- عشيرتي: ما هربنا في الجبل إلا لِنَتَّقِيَ كل هذه الشرور،.. لِمَ تقلبون الأوجاع وتفسدون الاحتفال؟

قال رجل من الأهالي عريض المنكبين جسيم:

- فإذا نحن اتَّقيناها (أي الضريبة) فغيرُنا لا يزال يقاسي ضررها، وما تبوَّأْنا قمة الجبل لننسى من يكابدون حول سفحه.

هناك نهض باسليوس مدفوعا بقوة ومسح التراب عن سرواله الجلدي؛ يقول:

- سادتي، فإذا أنتم سألتموني عن الضريبة فصدقوني حين أقول لكم بأن للأمر جذرا بعيدا يعود إلى عهد ديوان الروزنامة العثماني وحتى ما قبله، وليس ثمة شيء هو أشق من خط القيرمة* الذي كان يُكتب به الديوان إلا نظراتكم التي تختزل إشكال الضريبة في شخصي، أنا العبد المتواضع، باسليوس بن غالي، أريد أن أقول لكم بأن غالي بريء كباسليوس، أو لعل في جُرْمه وجُرْمي وجهَ إعذار مقبول، وفسحة مغفرة لا تكلف فيها، أريد أن أقول أيضا بأن كل رجال السلطان، وربما في كل الأعصار، هم أناس عاديون، بل إن فيهم طيبين خَيِّرينَ، كما أن فيكم طيبين خَيِّرينَ، وإذا أنتم رأيتم كَتَبة القبط في ديوان الخديوي أو ديوان الفابريقات رأيتم أنفسكم، وما داموا هم مأمورين وخاضعين مثلكم فهم ليسوا جذر المشكلة ولا رأس حَرْبتِها، وما دامت الأمور كلها تحت تصرف رجل واحد فلا يجب أن يُلام رجال كثيرون، من جمع حزمة الصولجانات في يده مأثوم مرة أو مرتين، مرة لأنه جمعها كلها في يده والأصل في السلطة أن تتوزع وألا تتركز لأنها ثقل كبير، ومرة ثانية إذا هو أساء استخدامها بالإسراف أو مجافاة الحكمة، وإذا كان محتما على من جمع كل السلطة في يده أن يَفسد بعد زمن يطول أو يقصر فمن المُحَتَّم أنه المأثوم مرتين إذن، فإذا أردتم أن تنحوا باللائمة على شخص فضعوا إصبعكم على جبين الوالي أَوَّلًا، ووَلُوا وجوهكم شطر قصوره المترفة، حاسبوه ولا تحاسبوني إلا بمقدار ما أستطيعه، وإنني أؤكد لكم أن ما أستطيعه قليل!

جعل باسليوس يمضي بين الأهالي متابعاً حديثه :

- وحين ينام منكم جائع أو ضائع أو مُنهَك فليس لأن رجل السلطان قد سرق منكم قوت يومكم فقط، ففي ذِكْر هذا دون غيره إغفالُ شمس الحقيقة بالإيغال في تجليات أشعتها، ولكن قولوا: لأن السلطان أتاح لبطانته أن تفعل ما فعلت، وشرعن لها بالصمت المتواطئ أو بالقبول المتخاذل ما لا يُشرعَن،.. وأما إذا أنتم أردتم الحقيقة لا إدانة فرد أو أفراد بعينهم؛ فلتُدينوا إذا هاته الروح الخانعة التي تجعل طلبة الحق قلة وسط أكثرية صامتة على الدوام، تضيع قضيتها في زحام قصور تطلع الأكثرية التي لا ترى من طموح لها في الحياة إلا طلب اللقمة مع الهوان، وما من جماعة إلا وتحوز شيئا مما تستحق،.. فلتدينوا إذن الفلاحين الذين احتفوا بمقتل أبي غالي في ميت غمر ظنًّا منهم أن حياتهم قد تعتدل برحيل شخص، وليقف منكم رجل جسيم يلعنهم،.. لا تمطروا الآذان بالشكوى، بل املأوا الأرض بالأعمال، لأن السماء لا تستجيب لدعاء امرئ قعود لا يفعل، وإن كان ذا مظلمة بحجم الأرض.

تأثر رجال الجبل بحديث باسليوس وخفضوا مشاعلهم، لم يعد في المشهد من حركة إلا أُمٌّ تهدهد طفلها، نام باسليوس هذا الليل فوق قمة الجبل دون أن تراوده الأضغاث المخيفة، لم يرَ وجه أبيه غالي إلا هانئا راضيا قريرا، كان أعمق وأهنأ نوم عرفه، في باكر قال لوقا لباسليوس:

- لقد تعلمت منك بالأمس أيضا.

ابتسم باسليوس وهو يزرر قميصه متأهبا للانصراف:

- هذا حسن، (ثم وهو يحدق إلى لوقا..) إنك تذكرني براهب في دير الصعيد، لقد تنيح وكان صديقا لي، وكنت أجد لذة في الحديث إليه، وهو يحمل اسمك.

- أكان صالحا مثلك؟

- كان والصلاح شيئا واحدا.

ابتسم لوقا لأن الإطراء وصل إليه، تجهز باسليوس فعاد يلبس قلنسوته، وسمع الأهالي يقولون له:

- لقد انتهت الحرب بتدخل الأسطول الروسي، لِمَ العجلة بالانصراف؟

قال:

- هذه معركة قد انقضت وأما الحرب المصرية العثمانية فلا يزال لها فصول أخرى، مَشاغلُ كبيرِ كَتَبَة القبط لا تنتهي في القصر بانتهاء معركة، وحاجتُهم إليَّ في السلم فوق حاجتهم في الحرب.

برز لوقا بين الأهالي وهو يشيع صاحبه قائلا:

- لا تنسَ أن تُفاتح صاحب الأمر في ضريبة الحواة.

قال باسليوس وقد تخايلت له صورة كوثر في أسف:

- أتمنى أن يكون عقله مستوعبا.

كان باسليوس على وشك هبوط منحدر الجبل لولا أن اقتربت عجوز منه وهي تقول:

- لا تخبر رجال مولاك بمخبئ الأهالي على الجبل.

ابتسم ابتسامة وأومأ برأسه قبل أن يهبط، قال:

- ما عاد مَخْبَأً، إنه مدينة كاملة..

     رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات قصص


                                                                 **

بحلول عام 1837م عانت البلاد من المجاعة، وبِيعَ القمح في القاهرة بسعر 175 قرشا للإِرْدَبّ، لم يعد بمقدور باسليوس أن يناقش الوالي في ضريبة الحواة بعد أن تشحطت الغلال وشح الخبز في الأسواق، وصار الناس يغنون الأغاني التي تعبر عن حاجتهم في أماكن التفرجات وقد عظم الرزق، تحدث أحد كبار موظفي الحكومة إلى الوالي :

-  لمَ لا تُوزع الكميات الكبيرة من العدس، والغلال، والفول، التي كانت في أشوان الحكومة في الإسكندرية، مولاي؟

قال الوالي:

- لدي خطة أفضل وتدبير أحكم، فلتكتب هذه: أصدر أنا عزيز مصر مرسوما يقضي بتحديد سعر القمح بمئة قرش، وتحديد سعر الفول والشعير، وكذا العدس بستين قرشا..

تدخل باسليوس في حوار الرجلين:

- سيدي، الأسعار في الأسواق مرتفعة بما يتراوح بين 160 و175 قرشا للقمح، و78 قرشا للفول، و85 قرشا للشعير، و105 قروش للعدس، لا يجب أن نصدر المراسيم الفوقية ولكن يجب أن نحسن الطرق ونرفع كفاءة الوسائل.

قال الوالي:

- إنني أريد التغلب على المُضاربة والخوف السائد من المجاعة على عجل، وما تَطْلُبُهُ يحتاج الوقت الكثير.

قال باسليوس:

- التغلب على الخوف لن يتم بالجبرية لأن مولاي قد يتحكم في السوق ولكنه لن يتحكم في شعور التجار.

تساءل الوالي ساخرا:

- هل ترى أن نضع شعور التجار في ميزانية البلاد؟

تدخل قائد من قادة الجيش:

- بالاتساع نزيد مواردنا وتقوى شوكتنا.

عاد باسليوس إلى النقاش:

- سيدي، لقد ضاعت كثير من الموارد في سبيل غايات قومية وطموحات جارفة..

قال محمد علي:

- أليس هذا خيرًا من المماليك الذين عدّوها (أي البلاد) ضَيعة لهم دون غايات وطموح؟

تساءل رجل معمم:

- لماذا لا نزيد في بناء المساجد والكنائس؟

أجاب باسليوس:

- إن مسائل السوق لن تعتدل بالاستكثار من دُور العبادة، وبناؤها خير على أي حال، ولكنني أقسم لكم أن كساء رجل عارٍ في برد الليل أو منحة من الشعير والقمح لجائع يبيت على الطوى هو خير من تزيين مئذنة مسجد أو إشادة قبة كنيسة، وأن عنايةً بفقراء أهل الأرض تَسُرُّ الرب فوق عناية بمعمار بناء يُقام فيه طقوس، لأن الرب لا تعنيه الأبهة بقدر ما تعنيه حقائق وبواطن النفوس، وكل ما يستدعي المنظرة قليل عنده،.. إنكم إن آمنتم بالرب حقا عرفتم أن الأرض كلها ليست إلا مقام عبادة له، ومَقَرًّا لتجليات صُنْعِهِ، ومَخاضًا لصراع مَعانيه، وصلاحها كصلاح المسجد أو الكنيسة،.. ثم هل أتاكم حديث الزجال إبراهيم المعمار* وقوله في مسجد قانصوة الغوري؟

 

قد بُلِينا بأميرٍ .. ظَلَمَ الناسَ وسَبَّحْ

فَهْوَ كالجَزَّار فينا .. يذكر اللهَ ويَذْبَحْ

 

طرق محمد علي على الطاولة في عنف وهو يقول:

- ألا يعجبك اقتراح قط؟ ماذا دهاك، باسليوس؟

تطوع واحد من الجلوس يقول:

- انظر كيف يساوي الصفيق بين قانصوة الغوري وبين أمجد حكام مصر؟ هل أوتينا إلا من تساهلنا مع المشككين؟

قال آخر:

- لقد أزرى باسليوس بقيمة بناء المسجد لأنه نصراني.

ردَّ باسليوس في دفاع هزيل وسط العاصفة :

- ذكرتُ المئذنة والقبة مخافة أن يُقال مثل هذا الكلام الغث.

وما زالوا حتى أمرهم الوالي بالكف، أضاف باسليوس في استدراك غير موفق:

- أخشى أن يمتد حبل الخراب فيقع في البلاد شيء مما كُنَّا نسمع عنه إبان الشدة المستنصرية، المراسيم والحلول السطحية لا تدوم ولا تصلح.

وكان محمد علي يعرف ما حدث للمستنصر إبان هذه السنوات السبع العجاف، وحقيقة ما آل إليه الأمر من بيعه (المستنصر) لكل ما في قصره من ذخائر وثياب وأثاث وسلاح، حتى لقد صار يجلس على حصير، وتعطلت دواوينه وذَهَبَ وقاره، فهال الوالي ذكر الأمر ورَوَّعَهُ، ورأى عزيز مصر نفسه على الحصير قاعداً فاستوحش الخيال واضطربت نفسه، وما لبث أمر بطرد باسليوس من جلسته التي لم يبقَ فيها إلا مداهن، وقال:

- اذهب إلى النيل ولْتُلْقِ بمخاوفك فيه أَوَّلًا، ولْتَعُدْ إلينا بنَفَسٍ جديدة، فلا مجال للمُسْتَيْئِسِينَ هنا.

وطفق منافقو القصر يسيرون على المنوال نفسه:

- وهل أكل الناس بَعْضُهم بعضًا حتى تشبه مجاعة اليوم بفاجعة المستنصر؟ هل بِيعَ رغيف خبز فى النداء بزقاق القناديل من الفسطاط كبيع الطرف بخمسة عشر دينارا؟ أو بيع الإِرْدَبّ من القمح بثمانين دينارا؟ أو أُكِلت الكلابُ والقططةُ حتى قَلَّتْ الكلاب؟ كلا، وكلا، ثم كلا! فلتلفظ من فمك فأل السوء إذن! ولتعتذر لمولانا بانصرافك عن حضور جلسته!

وجد باسليوس نفسه منساقا إلى الجبل هذا اليوم بعد طرده من القصر، صعد الجبل في حماسة وتأهب لإقامة يوم في مدينته العجائبية، وانشرح قلبه بضوء المغيب الهابط بين الأحراش، لقد قنع بانتمائه إلى أهالي الجبل فوق سادة القصر الذين لفظوه في عُنْجُهِيَّة فارغة،.. على أن لوقا استقبله شاحبَ الوجه من أثر الهُزال، وقال:

- ليس لنا من طعام نُضَيِّفَك به، سيدي!

قالت عجوز:

- أَدْخِلْهُ فإن خير الرب سيحل مع إقامة طفله المبارك معنا.

هناك تدخل جرجس، والد لوقا، فقال مستنكرا في جفاء:

- طفل الرب؟! لا أرى إلا رجلا بالغا قادرا على تصريف أمور نفسه، اليوم نحن في تموز ولم نجد الغذاء بكميات وفيرة منذ نيسان، وزيادة نفر حمل آخر لا نطيقه..

هبط باسليوس الجبل في حزن موصول، عند السفح سمع لوقا يناديه:

- هل فاتحت الوالي في أمر المجاعة والأسعار؟

أجاب باسليوس:

- لقد طردني من القصر لأنني ذكرت له رأيي فيها، صارت المشورة مما يُنبذ عليها المرءُ في هذا العصر.

كان لوقا قد وثب إلى طور البلوغ، قال في صوت أجَشَّ:

- الملعون لا يستمع لنصيحة، ما أتعس صَلَفَهُ وغُرورَه!.. هل آذاك؟

نظر باسليوس إلى قنة الجبل المتلفعة بالسواد والحمرة، وقال:

-  بمحمد علي نُزوعٌ إلى الأثَرةِ والعنف، ولكنه يعرف كيف يشكم ميوله، ليس هو المذنب وحده، الناس شركاؤه، قلت لكم هذا في خطاب طويل هناك، وليت خطابي قد وصل إلى كل أُذُنٍ، ونَفَذَ إلى غور كل فؤاد.

أدرك لوقا عمق حزن صاحبه فقال:

- لا تغضب من أبي جرجس، فهو إنما يريد صالحنا وصالح الجبل، ويتحفظ لأجل ذاك من سيرة رجال السلطان، والسر إن شاع خبره ما عاد سِرًّا.

ابتسم باسليوس في رثاء وقال:

- لا بأس إذن.

- إلى أين؟

- بلاد الله واسعة، من الخير أن الخلاء ليس حكرا على أحد.

مضى باسليوس وحده مُوغِلًا في السراب والخلاء خلف المقطم، رأى خيال كوثر تناديه فأوغل في مسير بين غابة النباتات الحجرية، زحف النعاس على أقدامه المُرهَقة فغفل، ورآها فيما يرى النائم تلاعب القططةَ والكلاب، تسير على الحبال المشدودة، وتلاغي الحيات بالمزمار، وتضع الوشم للأطفال، وتقرأ الطالع، ووضعت حجابا تحت إبطه، وقالت:

-  إلامَ تنظر، باسليوس؟ فلتَعُدْ إلى القصر، كم من مرة يجدر بي أن أنصحك النصيحة نفسها؟

قال:

- منه قد طُرِدت..

قالت محتدة في حسن:

- قل طردت نفسك منه..

ردَّ باسليوس في عاطفة مشحونة:

- في القصر لم يَبْقَ إلا منافق، رأي واحد حوله مصفقون كُثر، ليسوا حَمَلَةَ مَباخِر ولكنهم أقاموا مبخرة واحدة عظيمة وتحلقوا حولها، دولة الباشا دولة كذّابة، ليس تحت الشمس جديد، وقد قيل ما سأقول!

وضعت الغجرية يدها على كتفه فقفز قِرْدُها عن كتفها وهي تقول:

- صالح واحد يُقَوِّم صنيع ألف منافق برأي راجح، طريق الخير واحد ولِلشَّرِّ ألفُ طريق، بالحِلْم واللِّين انْصَحْهُ.

- متى يعود موكبكم؟

- أعدك أن نعود حين لا يكون لك في القصر عمل، حينئذٍ نتصاحب في الترحال بطول العمر.

- أحَقًّا لا يزال لي في القصر عمل؟

بدا سؤال باسليوس زائدا على مقتضى الغرض من المنام، انقشع خيال الغجرية فألفى باسليوس رأسه مسنودا إلى صخرة بين النباتات المتحجرة، وكان لوقا ينادي عليه وقد شق عليه تتبعه في السراب، حتى إذا وصل إليه قال:

- لقد أقنعت أبي جرجس، ستبيت اليوم معنا في الجبل، أعدَّت العجوز لكَ حساء البصل.

هناك نهض باسليوس في حس نشط يقول:

- معذرة، إنَّ لديَّ في القصر واجبًا أؤديه!

وقال لوقا دهشا:

- ليس ثمة ما هو أعجب من إدارة محمد علي لأمور الاقتصاد في البلاد إلا تقلب أحوالك سيدي، باسليوس، فلتَبِتْ معنا اليوم، وغدا فلتُؤَدِ العمل الذي تريده.

قضى باسليوس الهزيع الأخير من الليل فوق الجبل، يشرب حساء البصل، ويستأنس بأحاديث الجَدَّات، ويتسرَّى بِسَمَر الصِّبْية والأطفال، تحوم الفراشات الملونة حول رأسه، ويرقب في أسفٍ أثر المجاعة المتجلي في ضعف تكوين الأطفال، ويستمع لطقطقات الحطب ولطمات الهواء في طرب، ويرى قرص القمر المنير وعٌقْد النجوم الزاهرة، ويرقب الثريا الساطعة، حتى أتاه جرجس بكتاب، وسأله:

- حدثني عن أصلك.

لم يضطرب باسليوس وكان عقله حاضرا:

- كان جدي سيرجيوس من وجهاء مديرية قنا، دعاه أبواه في المعمودية بِاسْم جرجس الذي هو اسمك.

لم يقدر جرجس محاولة باسليوس في التقرب إليه، قال:

- إنك لم تعرف الفاقة إذن، أبوك الذهب وجدك الماس.

نظر باسليوس إلى وجوه الأطفال وقال:

- كلنا أبناء آدم، ربما لم أعايشها (الفاقة) ولكنني على علم بها.

- كيف؟

- المعرفة بالتجربة والعلم بالتحصيل.

- حسنا، هذا جانب من التحصيل، هذا ما كتبه المقريزي* يوما عن مجاعات هذا اليوم:"فصل في بيان الأسباب التي نشأت عنها هذه المحن التي نحن فيها حتى استمرت طول هذه الأزمان التي دُفعنا إليها"، فلتقرأها.

واندفع باسليوس إلى قراءة الكتاب:

- ثلاثة أسباب، لا رابع لها، الأول، وهو أصل هذا الفساد، ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشوة، والثاني: غلاء الأطيان، بعد أن تصدى قوم على الأراضي الجارية في إقطاعات الأمراء، وجلبوا عُمالا أثقلوا لهم الأجور، فزادت الأسعار، ما جعل الإقليم يشرف على البوار والدمار، وأما السبب الثالث، الذي كان نتيجة طبيعية لذلك كله، فهو رواج الفلوس.

وعلقت عجوز الجبل بصوت موسوم بالشيخوخة:

- إنها الدودة في أصل الشجرة!

قال جرجس لباسليوس:

- فإذا أنتَ أردت أن نَعُدَّك فردا منَّا، وعضوا من هذا الجبل، فلتُظهر الوالي على ما كتبه المقريزي!

وقف لوقا وقال مأخوذا لأبيه:

- كيف؟ أبتِ؟ كأني أراك تطالبه بالقفز من حافة هذا الجبل.

هناك قال باسليوس وهو يستحضر خيال كوثر وقولها:"بالحلم واللين انْصَحْهُ":

- حسنا، سيد جرجس، إنني أعدك أن أبذل وسعي!

سأل لوقا صاحبه وهو لا يكاد يصدق ما يسمع:

- ستحدثه بحديث كتاب المقريزي؟!

ابتسم باسليوس:

- سأحدثه بروح ما كتبه المقريزي، عسى أن يُلهَم رشده.

نهض باسليوس مارًّا بكومة الحطب مُوَدِّعًا الأطفال والصِّبْية، لقد وعدهم بأن يعود لهم بالأمل في ظروف أفضل، لا يدري الشاب كيف هو مصيره حقا قبل أن يُمَنِّيَ غيره بمصائر مزهرة ولكنها طبيعة الأقدار، وقد سألوه: "هل تجيء لنا بالغِذَاء؟"، لفحه سؤالهم ببرودة كبرودة الرياح، لقد سئموا كل شيء حتى اللعب، كأنهم شيوخ تقدمت بهم السن، لقد أسقمهم الهزال، وغدت أقدامهم كعصيان نحيلة،.. حين وصل باسليوس إلى القصر كان الحواريون فيه يستقبلونه في شماتة، مر اجتماع باسليوس بالوالي حارًّا طويلا، مُفَصَّلًا، ولكنه صادق، رأى باسليوس الأطفال الهَزْلَى عند الجبل في مخياله فاشتد بأسه وتوطدت جسارته على النقاش، كان سؤالهم: "هل تجيء لنا بالغِذَاء؟" لسانه الذي تحدث به، وحين خرج من غرفة اجتماعه مع الوالي هتف في الوقوف يقول:

- هذا هو القانون الأساسي الجديد المعروف بالسياسنامة، نصدره اليوم من قصر الجوهرة في تموز من هذا العام المضطرب، إنه دستور للولاية وضع على غرار الدساتير الأوروبية الحديثة يقضي بإعادة تنظيم الإدارة وفقا لهذه الروح، وعليه حُصرت السلطات الإدارية في دواوين سبعة.

وجعل باسليوس يمر في الوجوه التي كانت تتحين لحظة سقوطه فيطيل النظر إليها في تحدٍ، وقد اكتسى وجهه بنضارة رائقة بعد خفوت اليأس:

- أما الدواوين السبعة فديوان الخديوي، ديوان الجهادية، ديوان البحر، ديوان المدارس، والأشغال العمومية، ديوان التجارة، ديوان الإيرادات، والأخير لإدارة الشؤون المالية في كافة المديريات في الإقليم، ولن ننسى جزيرة كريت والحجاز والسودان!

تحدث الوقوف بالمرارة فقالوا:

- أقصانا الوالي من الاجتماع مثلما سبق وأقصاه!

قال آخر:

- ليس له عدو ولا حميم، لعب القبطي برأسه.

وما لبث أن صار السياسنامة موضوع نقاش أهل البلد، ودوائر الحكومة، وانقشعت المجاعة، وعادت الغلال، آب باسليوس إلى أمه كاترينا فذكر لها طرفا مما وقع في القصر فجعلت المرأة ترقيه، وحمدت له جسارته، واستحسنت وقفته، ثم نصحتْ له بتمرير الأمور عبر إظهار وجه القبول لأن الاستهداف عادةُ من يبرز في القصور، وهذا جرجس يتقدم له بالاعتذار في الجبل أمام الأطفال، فيقول وراء لهائب الحطب:

- حقا،.. لقد تحدثت إلى الوالي بخير مما جاء في كتاب المقريزي! 

 

 اقرأ أيضاً :