روايات، استمتع بأفضل روايات الرومانسية وروايات الرعب وروايات التاريخ في موقع واحد.

روايات، استمتع بقراءة والاستماع لروايات الرومانسية والرعب والتاريخ والخيال العلمي والبوليسية،

عشرات القصص المثيرة والحكايات في انتظارك.

2024/12/06

الرحلة أهم من العقدة

                   الفصل الخامس عشر: الرحلة أهم من العقدة




في الولايات المتحدة..

كان منير قد اقترب من حديقة المبنى الكبير حيث تؤدي آمال تمريناتها الصباحية المعتادة يسألها عن انطباعها عن الفيلم الذي أهدى إليها شريطه :

- كيف كان الفيلم؟ (يريد Kiki's Delivery Service)

- جيد، ولكن بت أرى الـanime أقرب إلى الهوية الأمريكية كل يوم.

- لعلها علامة النضج، أعني أن تتخلصي من وصاية الطفولة،.. كل شيء أمريكي في هذا العصر، ولا بأس،.. في الأنمي الرحلة أهم من العقدة.

كان الطقس مثلجاً مفعماً بالبرودة وحاول منير أن يذكر شيئاً عن قصيدة شعرية عنونها بـ : الثلج ملح الأرض، ولكنه كان شديد الخجل من إلقاء أشعاره أمام أي أحد ما خلا نفسه، واستغرقت مناجاته وقتاً جعلته كالواقف لأكثر مما يجب، وارتقى في دقائق التدبر حتى جلست الفتاة تقول وهي تهبه طاقة من سكاكر المارشميلو الملونة :

- لدي مشكلتان،.. أبي أرسل إليَّ في موضوع أخي عارف الذي نبذ الطب وخرج على مسيرة العائلة، ثم اختفى في بورانو (جزيرة إيطالية) كصياد متجول..

وسَرَّه أن تفاتحه بما لديها وقد أحس نفسه يتحرر تدريجياً من ظل الليلة الماجنة التي ألقت بمعرتها على علاقته بها، فعاد يسألها عن الثانية وأجابت فيما يَلُوح مارتن من مبعدة، إنه يفرد يديه قادماً إلى الجالسين :

- أروم الالتحاق بكلية الأمير جورج، والمشكل أنها (أي الكلية) صاحبة أحد أعلى الرسوم التعليمية في ماريلاند.

وخفضت رأسها فيما تزيد تقول وفي فمها واحدة المارشميلو :

- ولست أرجو أن أزيد على أبي بما لا طاقة له به من المصاريف، خصوصاً بعد أن خاب أمله في أخي، وأما المُربِّية حواء فهي بلا عمل أو مورد منذ تقاعدت..

وكان مارتن قد استمع لطرف من حديث الفتاة ميز منه : كلية الأمير جورج فانفجر يقول :

- "هل تدريان أن عدد الأفارقة الأمريكيين في مقاطعة الكلية قد تضاعف لأربعة أضعاف : أعني من 14% عام 1970م إلى 51% عام 1990م، وبعض المسؤولين والمهتمين لم يعجبهم ما رأوه هناك، بعض العبيد قبل اليوم كانوا يُقتلون إن بصر بهم سيدهم وهم يتعلمون الهجاء (الألفابت)، فلا عجب اليوم من بعض هاته الصيحات الغبية هنا وهناك.".

ونظر إلى صاحبه ملياً يقول :

- "إن شعبنا من السود إن لم يكونوا في المدارس والجامعات فسيضيعون في الشوارع وسيضلون ضلال من لا علم له !".

ومكث مارتن يسعل من برودة الطقس وقد بدا نصيحة منير المصرية له بـ"أن يدهن صدره بالزيت ويلفه بالجرائد" لم تؤتِ (النصيحة) أكلها، وكان يأخذ يقول بين السعال :"بعض اللإنسانيين،.. لا يزالون ينسبون إلغاء العبودية،.. إلى الثورة الصناعية،.. لأنها أتاحت بديلاً أرخص لتشغيل الماكينات،.. لا إلى التطور البشري الأخلاقي الذي يستطيع الرائي أن يتلمحه بوضوح خلال القرنين الفائتين.."، ولكن منيراً استغل فترة سعال صاحبه وحديثه في أن يقول لصاحبته :

- سأتكفل بمصروفات الكلية مما ورثتُه من ثروة تفيدة..

ووجد مارتن نفراً من الوقوف يتحدثان عن نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ولم يميز الرجل حقيقة أن الوقوف من الجمهوريين - متأثراً بحقيقة أن أكثر ناخبي الولاية يميلون إلى الديمقراطيين - فوقف بعد أن انتزع حبات السكاكر من يد صاحبه، وجعل الرجل يوزع السكاكر على الوقوف يقول :

- "مرحى، رفاق، لقد فاز وليام جفرسون كلينتون على المأفون جورج بوش الأب بالضربة القاضية، مرحى للديمقراطيين..!".

وكانت آمال تأخذ تقول لصاحبها :

- إنني أقدر لكَ معروفك بصدق،.. ولكن،.. هلا احتفظت به سراً لا تذيعه أبداً..

وابتسم منير يقول في ثقة :

- أعدك أن يكون الأمر كذلك..

وكانت الفتاة قد أكلت آخر حبات المارشميلو، فتساءلت :

- وماذا عن عارف؟

- هلا سافرت رفقتك إلى بورانو فقابلته، لعل الغيرة تحمله على أن يثيب عما هو فيه، إن الكراهية في حقيقتها طاقة بناء غير مستخدمة، وإنه ليكرهني، وإن هذا حسن.

واستحسنت الفتاة اقتراح صاحبها وعادت تحمد له تطوعه في حل مشكلتيها، فلما رفع الجالسان رأسيهما كان مارتن يتشاجر مع أولاء الوقوف يقول :

- "لقد دمر مرشحكم الخاسر (جورج الأب) الاقتصاد العراقي بفرضه لحصار دولي جائر على شعب لا يملك من أمره شيئاً، لدي صديق عربي وبمقدوره أن يحدثكم عن الأمر جيداً..".

ونهض منير في قلق أمام هذا الحشد الغاضب فأشار إلى صديقته الجالسة يقول : " الأمر كما اتفقنا.."، ثم ركض الرجل إلى بيته فيما طفق مارتن يناديه :

- "منير! هلا تجسرت فنصرت الحق الذي تعرفه؟ لقد خاب ظني فيك!  منير! هل تتركني كالنذل وسط الذئاب الكواسر؟".

وجعلت تضحك منه الفتاة التي ما تلبث تستأنف تمريناتها الصباحية.

 

  اضغط على رابط الصفحة الرئيسة لمزيد من الموضوعات : روايات قصص


في السيوف..

كانت عائشة في حضانتها قرب مسجد الإمام البخاري حين جعلت المُدرِّسة تسرد للصغار هناك واحدة من قصص الآثار القديمة، واعتدلت المرأة في جلستها تقول :

- سأقص عليكم قصة النسر ما لزمتم الصمت الذي يُسمع معه وقع الإبرة على الأرض، وتذكروا هاته الحكمة الرائعة : "فإنه لو كان المرء يستطيع أن يبني بيتا بالصوت العالي المرتفع لكان الحمار يستطيع أن يبنى دارين في يوم واحد..".

ولمعت عينا عائشة بالاهتمام لما هيأت له المعلمة من حديث، وقد كان لها عينان كالَمها في اتساعهما وبياضهما، قالت المعلمة :

- كان ثمة فارس يصيد في جبل ويسلك في مخابئ شعابه، ونسر كبير عند قمة هذا الجبل، وقد ترك فراخه لأفعى ظنها ميتة، وما هي بالميتة، وحين تأهبت الأفعى للفتك بالفراخ كان الفارس لها بالمرصاد،.. عاد الفارس بالفراخ إلى منزله واقتفى النسر العائد أثره وسأله : "أسرقت أطفالي؟" أجاب الفارس : "إنهم أطفالي ما دمت قد أنقذتهم..".

وتفرست المعلمة الوجوه ثم استقرت على وجه عائشة فكأنما اختصتها - لفرط ما بدا من اهتمامها - بما تبقى من أحوال الأثر الشيق :

- عرض عليه النسر عرضاً سخياً لا يُرفض : الفراخ في مقابل صفات النسر، سيرى بحدة النسور، وسيكون لذراعيه طاقة أجنحتهم، وسيكون له اسم النسر وسينسب إليه (Shqipëtar)، قبل الفارس بالعرض العادل فصارت له قوة يقاتل بها الوحوش، فيما كانت الفراخ - التي كبرت - والنسر تحوطاه (الفارس) بالرعية الفوقية.

رفعت عائشة يدها فأذنت لها المعلمة بالسؤال الذي في نفسها :

- هل بوسعي أن أحوز صفات النسور إن أنا أنقذت منهم واحداً كالفارس في القصة؟

باتت الصغيرة أضحوكة الجلوس من أطفال الحصة منذ نطقت بسؤالها البريء، وقد ذكرت شيئاً عن هواية أبيها رؤوف الغريبة : تربية العقاب المصري ما أزاد قهقهة الصغار، وعادت إلى البيت دون أن تفقد حماستها للأمر على ما فرط ما جره عليها من سخريات، وسمعت أبوها رؤوف يقول لصالحة وأمامه عدد لا بأس به من البط الشرشير والسمّان هي ثمرة مغامرته بالصيد في شمال سيناء طوال فترة الموسم الفائتة يقول :

- لا تتركي شيطان الغضب يعميك عن جادة الصواب، صالحة، فلتنظري إلى البط الشرشير، سيكفينا غذاءً لأسبوع أو يزيد.

وقالت :

- هل يوازي غذاء أسبوع ولو طاب تغيبك عن البيت والعمل بالمدينة لأشهر؟

وكانت عائشة تمر بين المتجادلين دون أن يلتفت إليها ملتفت لهوان أمرها ولطف حضورها فيما يصرخ رؤوف يقول :

- إن شغف تربية الطيور وصيدها عادة الأسرة، بدأها أبي مراد ولن أتركها.

- ورثت عنه شر عاداته إذاً، بدأها باللطيف من الببغاوات وانتهيت إلى المخيف من الجوارح.

- كان يجب أصحبك في موسم الصيد، ستكون الفترة من سبتمبر وحتى 20 نوفمبر خير معلم لنفسك الجزوعة المتبترة.

 - وأين تأخرت طوال المدة الفائتة إذا كان الموسم ينتهي في نوفمبر؟ ألا تشعر بالعار؟

- أعرف أَمْر ثَلِب مَعِيب واحد : أبوك هزاع الذي لا يفقد الأمل في تزويجك بمن حاز المال وكأن زوجك خيال أو ظل.

ودلفت عائشة إلى حجرتها رفقة أختها الصغرى أروى النائمة، ومكثت تتفكر في قصة اليوم قبل أن يعلو صياح الأم فيبدد سحائب الخيال :

- ستتخلص من النسور التي تربيها فوق السطح، لقد كانت تلتهم عائشة، إنها لجارحة خطرة..

- بل هي نادرة عزيزة، وقد باتت مقصورة على جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب آسيا.

وأخذت عائشة ملياً بما سمعت، وكانت على حقيقة الواقعة المعروفة : محاولة النسر التعدي عليها،.. لاتزال مُحِبِّة لصديقها نخبيت، وسمعت عائشة أباها يقول كأنما يخلص إلى أمر وسط بعد طول خلاف :

- سأستشير أبي مراداً في أمرهم (أي في مسألة الإبقاء أو التخلص من طيور السطح)، وكلي ثقة برجاحة ما ستنتهي إليه نفسه الراشدة.

استشار رؤوف أباه مراداً إذاً الذي اعتلت صحته في الأيام الأواخر - بسبب داء حار في تشخيصه وأفقده كثيراً من الوزن - فكان نادر الظهور في ورشتيه، أوعز إليه الأب بضرورة الالتزام بتوصية مفادها أن حياة أسرة وسلامة الأطفال أهم من طائر أو حتى مزرعة طيور، استشارت صالحة بدورها أباها هزاعاً حول عين المسألة فأصر على الاستفادة من بيض النسور وبرر عزمه في أمرين يقول :

- فليأذن لي زوجك بالاستحواذ على البيض، لسببين اثنين : أحدهما : كي يبرهن على صدق نواياه الجديدة، أولاً، والآخر : كي يقطع دابر العودة إلى ماضيه في العناية بها، مستقبلاً.

ونشط الخلاف مجدداً على صفحة حياة الزوجين، فسألها رؤوف :

- وما صالح الطامع في بيض النسر؟

وقالت صالحة وكانت تضرب بساقها على حصير الصوف اللبد في انفعال :

- يزعم أنه (أي البيض) يعالج الجذام، إن لديه صديقة عجزاء مريضة به، وله في قشرها مآرب أخرى كإيقاف النزيف في الجسم والتئام الجروح.

- سيستخدم بيض الطائر في الارتزاق إذاً، إن هذا إلا سببه الوحيد.

وكانت عائشة تسمع وترى فصعدت إلى هذا السطح مستحضرة قصة الأثر الألباني التي استمتعت إليها في الروضة وجعلت تهمس تقول :

- نخبيت ! سيجيئون بمن يستولي على بيضك ! فلتهرب به ولتعد ملكاً كما كنت بالماضي، لقد سامحت تهورك الأخير وهجومك، وإنني اليوم أحذرك، ولتهبني أذناً صاغية مثلما تهب الوجود عيناً مبصرة،.. (ودققت بحبيبتيها النقيتين في ناظريه الضيقتين، فتزيد تقول) عسى أن تنجو وفراخك وأصير ابنة مباركة لك !

وظنت الصغيرة زيفاً أنها قد وفقت في تحذير الطائر - متوهمة أن له لغة يفهم بها هي مثيل ما لدى البشر - فنامت قريرة العين هانئتها، وقد جاءها في المنام من عرض عليها صفات النسر وقد قبلت بها، واستيقظت - دون ما حازته في المنام العارض من صفات القوة والحدة - على صوت هزاع وهو يسعل يقول :

- أين البيض؟ وأين زوجك رؤوف؟

وكانت صالحة تجيبه تقول :

- يقول بأنه (رؤوفاً) لن يشارك في جريمة كهذه بالحضور.

وارتعبت الصغيرة عائشة من هزاع ومن سؤاله فعادت ترتقي إلى السطح، وفجعت حين رؤية البيض على حاله في العش كالأمس، وجعلت تسأل العقاب وتناجيه :

- بحق السماء التي تمرح بها بجناحيك فتملأ بتكوينك القويم قرصها المضيء،.. ألم أحذرك من الطامعين في فراخك؟

ولاح هزاع وفي إثره صالحة وعلى لسانه السؤال نفسه فتقدمت عائشة إليه (هزاع) تقول، مقتبسة من الأثر :

- توقف يا أفعى.

وعادت عائشة في حركة رشيقة وقد احتفظت ببيض النسر في جيب سترتها، ثم عبرت بالأم وأبيها وسط ذهول الاثنين، ودلفت إلى حجرتها وقد أوصدت الباب على نفسها وأروى بالمفتاح، وأخرجت بيضة من جيب سترتها فجعلت تتأمل أبعادها الكبيرة صامتة، متجاهلة لنداءات هزاع وصالحة، تقول هامسة :

- إنهم (البيض) هنا بخير،.. تماماً كأروى النائمة.

ومكثت الصغيرة تتأمل في المرآة أحوال جسدها تطمع في أن يزيد بصرها وأن يقوى بدنها. 


 اقرأ أيضاً : 

الفصل الثاني:   لقد طردتها !

الفصل الثالث :  لا أصدق أنكَ عازف هارمونيكا

الفصل الرابع :  متشاجري الورود

الفصل الخامس : لقد أرسلني إليكِ يوسف..

الفصل السادس: آمل أن أراه

 الفصل السابع: أنصت إلى الناي يحكي حكايته

الفصل التاسع: العودة إلى الإسكندرية

الفصل العاشر: سنصل أقرب مما نتصور

الفصل الحادي عشر: فلتمنحه لها كهدية صلح

الفصل الثاني عشر:  بات يطلب لنفسه العزلة

الفصل الثالث عشر: لا أريد التحدث عما يؤلمني ذكره

الفصل الرابع عشر:  لقد تغيرت كثيراً

الفصل السادس عشر:  رسالة من عبد العزيز

          الفصل الثامن عشر: شخصيتنا والقدر

الفصل الثامن عشر:  أسطورة بئر مسعود

الفصل التاسع عشر :  لقد حققت البئر أمنيتي..

الفصل العشرون :  ما وراء الصداقة